31‏/01‏/2013

[عبدالعزيز قاسم:2334] براون:هل يمكن إنقاذ انتفاضة مصر الديمقراطية؟+د.المسعود:محاكمة المتظاهرين..نظرة من الداخل

1

بمشاركة مدير عام الدفاع المدني بتبوك وجمع من أهالي تبوك

 

د.علي عشقي ود.عبدالله الطويرقي في برنامج حراك

 

السيول تُلحق تبوك بجدة


http://www.m5zn.com/newuploads/2013/01/31/jpg//m5zn_7cacb9049bafba5.jpg

مجموعة عبد العزيز قاسم البريدية. للاشتراك أرسل رسالة فارغة إلى: azizkasem2+subscribe@googlegroups.com - أرشيف الرسائل

2


محاكمة  المتظاهرين   ..

نظرة  من  الداخل     ..!

محمد  بن  سعود المسعود

 

 


       الغضب  لا  يجوز  أن  يخرجنا  من  دائرة  الحق  ,  والعاطفة  لا  ينبغي  لها  أن  تكون  سببا  للحكم  بغير  العدل   . والخطاب  الجمعي   في   كل  آن   يجب  أن  يكون  جميلا   ومقبولا  .. ومتعقلا  ..!


        وينطلق  من   الفهم   للموضوع  أولا  فهما  تخصصيا  ..في  الإجراء   ,  والمسارب  ,  والجزاء    فيما    ينسجم  مع  حقائق  الوقائع  ,  وما  يحضر  بين  يدي  القاضي   من  أدلة  النفي  ,  وأدلة  الإثبات   . والبينة  الموصلة  منها  ,  أو تلك  العاجزة  عن  البلاغ  .


    أن  المحاكمات  المقضية   في  ذات  الموضوع   ,   تثير  في  النفس  الكثير  من  الإطمئنان   إلى    حصافة  القضاة  في المحكمة   الجزئية  بالقطيف  


        في  الواقع  ليس  من اليسير    عبور  ما  عبره   أصحاب  الفضيلة  القضاة  ,  وليس  من  السهل  ,  القبض  على  توازن    في  مزالق  كثيرة  ,   ورغم   كثرة   عناوين  الإتهام  ..


         تجاوز  القضاة  ذات اليمين  وذات  الشمال  هذا  الكم  الهائل  من  التعقيد  للمواقف  ,  وفخاخ  المسميات  القاسية  ,   متحركين  إلى  حقيقة   المؤثر  والباعث  ,  وطبيعة  التحريض  المنفعل   ,  والمتباعد  عن  التعقل   ,  وما  لعله  ,  العلة  التي   تجعل  المباشر  للجناية  اضعف  منها  ,  وما  العفو  فيه   أدعى    لتجاوز  كل  ما   مضى  ,  ولكي  يأذن  مؤذن  في   قلوب  الناس  .. أن  الدفع  بالتي   هي  أحسن     هي  سبيل  الله  ,  وأن  الرفق   زينة  كل  موقف  ,  والرحمة  جمال  كل  حكم  .  وأن  القضاء  يتربص  بنفسه  العدل   , و  لا  يتربص  بالخلق  العقوبة  ,  ولا  يبحث  عن  أسبابها  .  ويتعالى   نبلا   بالإعراض  عن  رذيلة  الجهل   إن  تبدت  ,  والمعصية  من  الغافل  أن  ظهرت  . والتعامي  عن  العورات  إن  لم  يجللها  ستر  الرشاد  والعفة  .


     الذي  يحكم  على  الأمور  من  داخلها  ,  أو  من معرفة  الأسباب   فيها  ,  يدرك   بيقين  جازم  ,  كم  هو  عظيم  ونبيل  وطاهر  ..  ما  بذلوه  , وما  أداروا  الأزمة   به  ,  بأدوات  اليقظة     والرفق  والبصيرة   الرحيمة  ..  لكونهم     يبصرون  ما  لا  يبصره  غيرهم  ,  ولكون  الرائد  لا  يكذب  أهله  ..  وهم  البصير  عن  قرب  ,  بكل  النوازع  ,  وبكل  الملابسات   ,  وبطبيعة   المحاكمين  وأعمارهم   ..  وما  هم   فيه  .


       وأن  ذاك   الإنفعال    لم  يكن  ليرتفع  لمستوى  التربص  بالجناية  , والتخطيط  المنظم  لها  ,  أو  التشكيل  العصابي   للجريمة   بالمصطلح  القانوني  الذي  يعني  في  دلالته  الجريمة  المنظمة   .  


     إني  أعتبر   تلك  العقوبات  القضائية  في  القطيف ,  ومحكمتها  الجزئية  ,    طريق  خاص  لا  يسلكه   إلا  من هو  قادر  على  التعالي   من   التحريض  الأعمى   في  الإتجاهين   -  مع  - وضد  -   والإستفزاز  ,  والإستفزاز  المقابل  له  ,  وتخطي  الكراهية  والكراهية  المقابلة  لها  ,  والإيغال  في  الظن  السيئ   بكل  معانيه  ,  من  هذا  الجانب  المتجه  للقضاة  . ومن  ذاك  الجانب  المحرض  على  تكسير  العظام  في  العقوبات  .


    هذا  الطريق   الذي  سلكه   قضاة  المحكمة  الجزئية  , يحتاج  السالك  فيه  إلى  التمييز  الذاتي   , والتحليل   للوقائع  .  وحال  الجاني   وطبيعته  الفكرية  ,  وحقيقة  نوازعه  وأهدافه  .


      وهذا  ما  بلغت  به  المحكمة  وقضاتها  الفضلاء  ,  أعلى  منازله  و  وأرفع  مقاماته    هو    ما  وفقهم  الله  له  توفيقا  عظيم  الجلال  والرحمة  , وهذا  ما  لعله   يكون  -  سابقة  قضائية  -  في  القدرة  على  ضبط  النفس   بعظيم  التأمل  في  المآلآت   والعواقب  . في  مثل  هذه  الموضوعات  .


   إني  دائما  أقول  . أن  الذات  المضيئة   تترنم  فقط  بترانيم  الضوء   .  وتتحرك  نحو  الخلاص   والعلاج  ..  بكل  سبيل  إليه   .. العقوبة  ليست  مستحبة  لذاتها   في  التشريع  ,  والرحمة  مطلوبة  في  ذاتها  , والخطأ  في العفو  عن  العقوبة  أحب  إلى  الله  دائما  من الخطأ  في  عقوبة  الخلق  . 


   أحسب  أن  هذه  تجربة  بالغة  الفتنة والجمال   ...  في  تفاصيلها  ,   وأحسب  أن  من  الخير  والحكمة   تكرارها   أنموذجا  ,  في  كل  السبل  التي   مضت  فيها  وبذات  البصيرة  التي  تجلت  في  أصحاب  الفضيلة  القضاة   في  الرؤية  والحكم  بالعدل  . 


    ولذا  لم  يعترض  أحد  من  المحكومين  السابقين  على  حكم  واحد  من  الأحكام  ضدهم  ,  كما  لم  تتعنت  الدولة  في   الإصرار  على  زيادة  العقوبات  وهذا  مسلك  رشيد  .  وحميد  .  


   هذا  القلق  المثار   في  كثير  من  الأقوال  المرسلة  ,  لا  يستند  على  إطلاع  على  وقائع  المحاكمات  السابقة  ,  كما  لا  يتفهم  حقيقة  الحكم  القضائي   وأسبابه  ,  ولا  ينبغي  أن  يٌتصور  أن  الهرجلة  في  أي  مكان   لها  قدرة  التأثير  على   عدالة  القاضي  ,  أو  قيادة  ضميره  إلى  مكان  يبعده  عن  القيام  بين  الناس  بالقسط  .   


    في  حقيقة  الحال  ..  


      إن  هذا  النوع  من  القضاة  ..  هم  الذين  يعيدون  إلى  النفوس  توازنها  ,  ويعيدون  الناس    للثقة  بدولتهم  , وبسلطان  عدلها  ,  ورحمتها   ومحبتها   وأنها  لا  تبتغي   التنكيل  بالناس  , ولا  تتربص  بهم  العقوبة   , ولا  تبحث  عنها  . أو  تتشهاها  .


     المجتمعات  في كل  زمان  ومكان  ,  ليست  عادلة  ,  وربما  لا  تستطيع  أن  تكون  عادلة  ,  حتى  مع  ذاتها  .  إلا  أن  هذا  أمر  لا  يجوز   الصمت  عنه  , ولا  ينبغي  الخوف  من  قول  الحق  فيه  .  إن  الشتيمة  للطاهرين  المعلنة  ..  لا  يكفرها   إلا  ذكر  فضائلهم  بصوت  أعلى  .. وأبلغ  مدى  ينتهي  إليه  السمع  .


((  ولا  يستوي  عندك  المحسن  والمسيء  بمنزلة  سواء  ..  فقولوا  للمحسن  أحسنت  .. وللمسيء  أسئت  ..))   الإمام  علي  بن  أبي طالب ,  عليه السلام  .


  ولقد  أحصيت  الأحكام  القضائية  السابقة   ..  فلم  أجدها    إلا  وهي  مصداق   لقول  أمير  المؤمنين   عليه السلام  : ..  أحسنت  .. وتفضلت  .. وتكرمت  وهذه  هي  ماثلة  أمام  سمع وبصر  الجميع ...  ومن  يرى  غير  ذلك ..   فقل  هاتوا  برهانكم   إن كنتم  صادقين   !! .


             نيابة  عن  القطيف  و أهلها  شكرا  للفضلاء   القضاة   على  هذا  التوازن  الرشيد  .   الغامر  الحضور  بالتسامح  والمحبة  والقيام  بين  الناس  بالقسط  . وشكرا  لهيئة  الإدعاء   التي  قبضت  على  حكمة  التبصر   بالتفاصيل  .   فرضيت  بما  يفوت  الفرصة  على  كثيرين   ..  بما  ضرره  أعظم  من   نفعه  .  وبالله المستعان  .   

  

 

مجموعة عبد العزيز قاسم البريدية. للاشتراك أرسل رسالة فارغة إلى: azizkasem2+subscribe@googlegroups.com - أرشيف الرسائل

3


السلفية الإخوانية

محمد جلال القصاص



الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مَن لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه ومن أحبه واتبع هديه،وبعد:ـ

الفكر يُحدث تغييراً على مستوى الفرد وعلى مستوى الأمة، ويظهر هذا التغيير بتحولات في سلوك الشخص، وأحداثٍ كبرى في واقع الناس كما الهزائم (1948، و 1967)، وكما الثورات.


 والأحداثُ الكبرى توجد أسئلةً بحثية تستنفر الفكر للبدء في إيجاد تغيرات جديدة في أرض الواقع.

والحدثُ الأهم الذي مرَّ بنا هذه الأيام هو "ثورة يناير" أو "ثورات الربيع العربي"، كان من المفترض أن يثير هذا الحدث تساؤلات عن من حضَّر له، ومن نفذه، وعن تداعياته، وعن سبب غياب التيار الإسلامي وخاصة السلفي عن ساحة الإعداد له؟، بل عدم قدرة عامة المنتسبين للسلفية من اتخاذ موقف سليم منه حال ظهوره!!

لم تفكر الحالة السلفية في سبب غيابها عن الإعداد للثورة، ولم تفكر في الفاعلين الرئيسيين: من هم وماذا يريدون؟!؛ وإنما تحركت متعجلة فرحةً مسرورةً في الاتجاه الذي أشير عليها أن تدخل فيه، وهو العمل السياسي من خلال الفعاليات القديمة (الأحزاب). وثانية لم تفكر!!.

 بدا بوضوح أنها لا تملك آلية طرح الأسئلة البحثية التي بها ترصد الظواهر الاجتماعية وتحللها، ومن ثم تتعامل معها، وبدا بوضوح أنها تتحرك مندفعة بشكل جماعي في اتجاه واحد لا تحدده هي.!!


المقصود هنا أن قوة التفكير والتدبر كانت غائبة، والشخصية المستقلة التي لا تقلد كانت غائبة، والأسئلة التي تنتجها الأحداث وتستوجب البحث والتحليل للظواهر ومحاولة إيجاد المتغيرات التي شكلت الظواهر، ومحاولة إيجاد ظواهر جديدة تزاحم الموجود وتفككه لم تكن موجودة أيضاً؛ والحركة جماعية، والفرقة على ذات الطريق ولأسبابٍ شخصية؛ فعامة السلفية كانوا ينكرون العمل السياسي ثم دخلوه كلية بين عشية وضحاها وفي داخل العمل السياسي اختلفوا على خلفيات شخصية أو حزبية، والعمل السياسي لا يعاب في حد ذاته، فقط أرصد الحركة السريعة المندفعة بين ضدين، والغفلة عن الظواهر الاجتماعية توصيفاً وتحليلاً ومعالجةً.

والسبب الرئيس في ذلك ـ كما يبدو لي ـ هو نوعية الشخصية.. نوعية القيادة ونوعية الأتباع، فالقيادة قد اتخذت شيئاً من "القداسة"، فلحمها مسموم، وبالتالي: نقدها ممنوع، ولها خبرة طويلة، ولها تجربة وتضحية، وبالتالي هي: الأحرص، وهي الأرشد، والمهتدي من يطيع، ومن يبدي رأياً فهو "آكل اللحم المسموم"، مع أن ذات الأشخاص  من "آكلي اللحم المسموم"، فليس بينهم من قد بريء من "اللحم المسموم"!!

 

ويجمل أن نقف مع أمرين:

 

الأول: الخلل في تركيبة الشخصية السلفية، وهو موجود في أختها الإخوانية، وفي عامة المصريين، وليس في السلفيين وحدهم، وغياب التفكير في الأحداث وتحليلها ومحاولة صناعتها، عن طريق طرح الأسئلة البحثية مما يسهل قيادة الجماهير (والنخبة الموجودة الآن لا تمتلك آلية الرصد والتحليل أيضاً). والمفترض أن آلية طرح الأسئلة هي الخطوة الأولى لبناء النظريات التي يتم بموجبها بناء الاستراتيجيات وما تحتها من (غرف عمل، وتكتيكات) وما  فوقها من سياسة هذه الاستراتيجيات. إذ أن النظريات تبنى باستقراء واقع، أو باستقراء تجارب التاريخ (وهي تعادل في العلوم الاجتماعية التجربة المعملية في العلوم الطبيعية).

الثاني: أن عامة السلفية (القيادات من أجيال ثلاثة متواجدة الآن) جلسوا يفكرون بعد الثورة، وانتهى تفكيرهم بتقليد الإخوان.

كان السؤال البحثي الذي طرأ في رأس "رؤوس العمل السلفي" جميعاً هو: كيف يتم السيطرة على الوضع؟!.

تبادر لذهن الجميع أن الخطوة الأولى للتعاطي مع الواقع والإفادة منه هو السيطرة على الموجود، أو على كتلة صلبة منه، يتم ترشيدها من خلال برامج سريعة أو نصف سريعة (ندوات، ومحاضرات، ودورات) وبهذه المجموعة يتم صياغة الواقع سلفياً!!

ولأن العقلية مقلدة أو محدودة الثقافة جداً، وضيقة الأفق، وقليلة الأدوات، راحت تستدعي نموذجاً لتقلده، ولم تجهد نفسها في البحث، كما فعل العلمانيون واستدعوا نموذجاً فعالاًَ مثمراً "اللاعنف لجين شارب" وتدربوا عليه في بلاده ثم جاءوا يجربون أعواماً حتى نجحوا؛ أخذ أهلنا نموذج الإخوان.. أسر (جمع أسرة) بشكل هرمي ينتهي لشخص واحد (المرشد)، مع بعض التعديل فيه، فاشتدت "الدعوة السلفية" في شخص فردٍ منها في عمل "أخ مسؤول" في كل مكان "للدعوة" فيه أتباع، واشتد الكرام الأفاضل من "أهل السنة والجماعة" في عمل مجاميع عمل "لجان" في كل مكان لهم فيه أتباع، وبدأت "الجبهة السلفية" بفكرة عامة وكأن لا رأس لها، وكأنها تُعْمِل الشورى والقرار جماعي، وكأنها لجان متخصصة، ثم تحولت اللجان (عملياً) إلى ما يشبه الأسر الإخوانية، ونبت بينهم "كاهن" جديد يمسك بخيوط (اللجان)، فتقزمت وتدحرجت خلف البقية.


وأريد هنا استعراض  ثلاثة أمور:

الأول: هذه الآلية نفسها.
لم تكن هي السبب في تمكين الإخوان، كان السبب في تمكين الإخوان هو ظهور نموذج الشيخ حازم أبو إسماعيل، فاجتياح الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل للعوام أوجد ما يعرف في "التنمية السياسية" بـ "الرأي العام"، وفيه يحدث توافق على أحد البدائل المطروحة، وبالتالي يصبح هو المسيطر. هرعوا للإخوان كحلٍ مقبولٍ مرحلياً، أو حاولوا الاستدارة على الخيار الإسلامي الصريح الذي طرحه الحازم حازم عن طريق استدعاء الإخوان أو السماح لهم مؤقتا، ومعالجتهم بعد ذلك.

وآلية الإخوان نفسها لم تكن تقليداً، بل جاءت بشكل طبعي، أفرزها العمل في فترة ما، وقد تغيرت الظروف، واستمساكهم بها أخرج من بنيهم أضعاف أعدادهم الموجودة الآن، وكيانهم مهدد بالانشقاق وخاصة إن دخلت بينهم المسائل الفكرية، وقد كادت تشق صفهم قبل الثورة، ومن شاء أن يستيقن  فليراجع سيرة الدكتور "أبو الفتوح".   وخاصة قبل انشقاقه. بدا جيداً ـ وقتها ـ أن الجماعة في طريقها لأن تنحى منحى علماني بنكهة إسلامية كما إخوان تركيا وتونس، وأن تُخرج من بينها شقاً كبيراً يعادل نصف عددها.

وهؤلاء يفرضون التنظيم على أتباعهم. وأتباعهم غير قابلين للدخول في مثل هذه الصيغة، فلو كانوا ما خرجوا من الإخوان أصلاً، وهذا الأمر بين لمن يتدبر في حال "الفرد السلفي"، وبيِّن من تفلت الناس وعدم انضباطهم، وكثرة الانشقاقات الطولية التي تؤدي إلى تكوينات فرعية، وكثرة "المستقلين" بين الصف حتى أصبحوا ظاهرة؛ فقد استغنى كل فصيل عن أكثر من النصف بداية كي يبدأ، وارتبك بمشاكل داخلية حين بدأ. إن طبيعة السلفية والسلفيين لا تقبل التنظيم الجاد المبني على السمع والطاعة المطلقة، والتحرك بكلمة رجلٍ واحد. حتى الجهاديين ومَن قاربهم، وأمارة ذلك في حجم مَن ينظمون... قلة وتنشق سريعاً.


والثاني: في طريقة التفكير التي دفعتهم لتبني هذه الآلية.
وقد مرَّ في مقدمة المقال، وأعيد لفت النظر إليه، ليتضح أن العقلية ذاتها تحتاج تجديد، وأنها ـ مهما عظم شأنها في صدر أتباعها ـ لم تعد تصلح، ولابد أن تعدل من نفسها.


والثالث: الحل في:
التخلي تماماً عن صيغة الجماعات، ومناوشة الإخوان حتى يتخلوا هم أيضاً عن صيغة الجماعة، فصيغة الجماعة صيغة تصلح للممانعة والحفاظ على الحد الأدنى من الهوية ولا تصلح أبداً لإقامة مجتمع، فضلا عن صناعة حضارة على مستوى الأمة. المجتمع والأمة أكبر من جماعة أيا كانت، وبالطبع أكبر من "كاهن" (فرد) يحرك هذه الجماعة.


المجتمع يتحرك برأي عام توافقي، ويتحرك من خلال أبنية يقودها نخبة واعية متخصصة، فنحتاج لهذه النخبة والمتخصصة، ونحتاج للأبنية(الحالية بعد أن ندخلها، أو نشيد موازياً لها)، ومن ثم نكوِّن رأياً عاماً يتوافق مع الشريعة.

وإن رحت تتدبر السيرة النبوية ، وتحاول أن ترسم الأخبار مشاهداً فستجد مجتمع الصحابة يتحرك من خلال نخبة متخصصة، يتقدم كل واحدٍ منها المشهد حسب الظرف، فأهل الرأي في الحروب والرماة والمبارزون يتقدمون المشهد حال القتال فنذكر في الغزوات المقداد، والحباب، والزبير، وعلي، والحمزة، وسعد؛ والأغنياء المنفقون يتقدمون المشهد حال التجهيز للحرب وحال الحاجة لشراء ما يصلح حال الناس فنذكر عثمان يوم العسرة ويوم بئر رومة، وطلاب العلم في صدر الحلقات، وهكذا.!!

 

وهذا الأمر يتوافق مع الطبيعة البشرية، فالناس متخصصون بطبيعتهم، وليس ثمة من يصلح لكل شيء في كل وقت. هذه من بدع هذا الزمان. وهي من أسباب انكماش العمل وتقوقعه وقلة الابتكار فيه، واندفاعه بلا وعي في اتجاهات لا يحددها هو لا تحقق أهدافه.


إن المطلب الآن  هو إقامة دولة ومن ثم حضارة، لا إقامة جماعة. وتلك قصة أخرى تحتاج قيادة متخصصة، وكوادر متخصصة، يعملون من خلال أبنية يغيرون بها واقع الناس، ويركبون فيهم إلى غيرهم ممن الذين يلونهم. والخطوة الأولى في القضاء على نموذج "الكاهن" و"صبيان الكهنة"، وبناء الكوادر.

مجموعة عبد العزيز قاسم البريدية. للاشتراك أرسل رسالة فارغة إلى: azizkasem2+subscribe@googlegroups.com - أرشيف الرسائل

4


ما الخطوة التالية بالنسبة لمالي والجزائر؟

 مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي


ما الخطوة التالية بالنسبة لمالي والجزائر؟

أنوار بوخرص مقال تحليلي، الإثنين 23 كانون الثاني/يناير 2013

في الجزائر العادات القديمة لاتموت بسهولة. فالبلاد متأقلمة كلاسيكياً على التصرّف بصورة تلقائية وسرّية عندما يتعلق الأمر بقضايا السيادة والأمن الوطني. هذا الأمر الذي يشبه ردّ الفعل المنعكس برز بوضوح في 16 كانون الثاني (يناير) عندما شنّت قوات الأمن الجزائرية هجوماً على المتشدّدين الذين احتجزوا عدداً من الرهائن وسيطروا على حقل عين أميناس للغاز الطبيعي في شرق الجزائر بالقرب من ليبيا.

ربّما كانت المخاطر عالية جداً، بيد أن النتيجة الحاسمة لم تكن موضع شكّ أبداً. فقد كان من شأن التوقف عن إطلاق النار أن يشكّل انتهاكاً لعقيدة الجيش الجزائري المتمثّلة بألا يكون أول من يصاب بالخوف والفزع أبداً في المواجهات مع أعدائه. لكن، كان من شأن ذلك أيضاً استدعاء التورط الغربي وهو الأمر الذي كانت الجزائر حريصة على تجنّبه.

لم يكن العقل المدبّر لعملية احتجاز الرهائن سوى مختار بلمختار الأعور، وهو محارب قديم في الأربعين من عمره ينتمي إلى تيار الإسلام السياسي الجزائري الذي يمارس العنف. في العام 2007، أقسم بلمختار على الولاء لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. وفي كانون الأول (ديسمبر) 2012، ترك بلمختار التنظيم ليشكّل جماعته الخاصة التي أطلق عليها "الموقّعون بالدم" والتي كانت ثمرة التنافس الشديد داخل أعلى المراتب في التنظيم.

ربما كان الهجوم المفاجئ والمثير على صناعة الغاز في الجزائر، محاولة من جانب بلمختار للتلويح بسلاح شهرته بوصفه أمير الحرب الجهادي الرئيس في المنطقة. لكن الهجوم كان مدفوعاً أيضاً برغبة بلمختار في الردّ بعد تدخّل فرنسا في مالي. فقد بدأت فرنسا شنّ ضربات جوية يوم 11 كانون الثاني (يناير) لوقف تقدّم المتمردين - بقيادة الجماعة الإسلامية "أنصار الدين" المدعومة من تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي القوي - من شمال مالي إلى باقي أنحاء البلاد.

تعمل جماعة أنصار الدين في شمال مالي فقط، بينما يتّخذ تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي من شمال مالي والجزائر مقرّاً له. نشأ تنظيم القاعدة في بلاد المغرب في الجزائر، ومعظم قياداته من الجزائريين، ولاتعترف الجماعات الإسلامية المتطرّفة بالحدود في هذا الجزء من العالم. ولذا فليس ثمّة طريقة لتعزيز سمعته والانتقام أفضل من ضرب شريان الحياة الاقتصادية للنظام الجزائري الذي كان بلمختار يضايقه على مدى العقدين الماضيين.

بعد المأساة التي حدثت في الجزائر، تعهّد قادة العالم مرة أخرى بالرّد بقوة على الجماعات المتشدّدة المسلحة التي تجوب الصحراء الكبرى في شمال وغرب أفريقيا. إذ لا بدّ للتشدّد العنيف أن ينمو ويتوسع لو ترك لحاله.

مالي هي المكان الأول الذي ينبغي اتّخاذ موقف فيه، لكن لايمكن أن تقتصر الجهود على القيام بإجراءات لمكافحة الإرهاب فقط. ففي بيئة تتّسم بعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والجريمة المنظّمة والفساد، يجب أن يكون تركيز المجتمع الدولي على بناء القدرات المؤسّسية وتعزيز التعاون الإقليمي.

ثمّة أمل بعد الهجوم على عين أميناس في أن تضع الجزائر نزعاتها السرّية والانعزالية جانباً وتتعاون مع الدول الأخرى لمساعدة مالي في معالجة المشاكل الأمنية والسياسية التي تواجهها.

مقاربة الجزائر الخاطئة في محاربة التشدّد

كانت الرسالة في هجوم عين أميناس واضحة. إذ لابدّ لمن يشكّكون في حزم الجزائر أن يخسروا الرهان. غير أن وحدات مكافحة الإرهاب في الجزائر ليست مدرّبة على مهمّات الإنقاذ التي تتطلب دقّة وعناية قصوى للحدّ من الخسائر في صفوف المدنيين. وقد أثبتت أزمة الرهائن حدود المقاربة الجزائرية في محاربة التطرّف العنيف.

يعود موقف الجزائر المتشدّد إلى تسعينيات القرن الماضي، عندما شنّت المخابرات العسكرية في البلاد حملة وحشية وقاسية ضدّ المتمرّدين الإسلاميين الذين يمارسون العنف. فهي لم تتردّد في محاولاتها المتصلّبة لاجتثاث المتمرّدين، كما أنها لم تتنازل أمام الضغوط الدولية للتفاوض أو المساومة.

منذ نهاية التسعينيات، أراد الجزائريون أن يعطوا انطباعاً بأنهم حلّوا مشكلة "الإسلاميين". ومع ذلك، وعلى الرغم من سياسة الاجتثاث المتصلّبة والاستقطاب التي مارستها، فشلت الدولة في القضاء على التشدّد المتبقّي داخل أراضيها.

في الواقع، لم تنجح الجزائر سوى في تدويل حربها مع الإسلاميين الساخطين. إذ بدأت عملية تحوّل المجموعات الإسلامية الجزائرية التي تمارس العنف، إلى لاعب إقليمي هام على صعيد الإرهاب قبل ما يزيد عن عشر سنوات مضت عندما طاردت القوات الجزائرية المقاتلين الإسلاميين في الجزء الجنوبي من البلاد. وبحلول العام 2003، كان الإسلاميون قد انتشروا في مالي وغيرها من دول الجوار.

شيئاً فشيئاً قدّم هؤلاء المتطرّفون الذين يمارسون العنف أنفسهم بوصفهم جزءاً لا يتجزأ من المجتمع المالي، وبنوا ووسّعوا بكثير من الصبر شبكة من الروابط الأسرية والدعم الاجتماعي والعلاقات السياسية والتبادل الاقتصادي. كما أقاموا صلات وثيقة مع المجتمعات العربية والمتمرّدين من عرقية الطوارق الذين ينتشرون عبر الحدود الوطنية، وشبكات لتهريب الوقود والمخدرات والأسلحة.

في أواخر العقد المنصرم، نجح المتطرّفون في بناء ملاذ إرهابي - إجرامي في شمال مالي. أصبح تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي أفضل تنظيم إرهابي وإجرامي من حيث التمويل بفضل الخوات التي يفرضها على عمليات تهريب المخدرات عبر الحدود والعدد الكبير من الفديات التي يبتزّها من الحكومات الغربية لإنقاذ حياة مواطنيها المخطوفين. وبحلول حزيران (يونيو) 2012، كان تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي قد سيطر بشكل كامل على شمال مالي بالتعاون مع القوات الإسلامية المسلحة لجماعة أنصار الدين وحركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا المنشقّة عن التنظيم.

راقبت الجزائر هذه التطورات بقلق بالغ، غير أن ردّ فعلها كان فاتراً. حيث لم تكن الموارد التي خصّصتها لمحاربة التنظيم خارج أراضيها تضاهي قدراتها.

في مالي، كانت الجزائر تأمل في البقاء على الهامش خلال أحدث دورة من التمرّد في البلاد. فقد ركّزت على تأمين حدودها واحتواء التهديد الإرهابي داخل حدود مالي والنيجر وموريتانيا، التي تجاور الجزائر إلى الجنوب.

حاولت الجزائر، حتى بدء التدخل العسكري الفرنسي المفاجئ في مالي، التفاوض لإيجاد حل سياسي للصراع من خلال الإيعاز بذلك إلى الجهات الفاعلة المسلحة التي لديها اتصالات معها. فقد كانت الجزائر وسيطاً دائماً في الصراعات بين حكومة مالي والطوارق في مالي، كما أن في الجزائر نفسها عدداً قليلاً من السكان الطوارق.

كانت الجزائر تركّز خصوصاً على جماعة أنصار الدين التي لاتسعى إلى تقسيم مالي بل إلى تطبيق الشريعة في جميع أنحاء البلاد. زعيم الجماعة المكيافيلي إياد آغ غالي، هو شخصية معروفة في الجزائر العاصمة، والتي راهنت على جعل آغ غالي وأنصاره يخفّفون علاقاتهم مع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب، ويُقبلون على التفاوض من أجل عقد اتفاق سلام مع باماكو. انسحب آغ غالي من المفاوضات مع باماكو في 7 كانون الثاني (يناير) 2013، ما وضع حدّاً لجهود الجزائر لضمان التوصّل إلى حلّ دبلوماسي للصراع في مالي.

كانت هناك علامات مشجِّعة على أن الجزائر أصبحت تدريجياً أكثر عملية وواقعية في مقاربتها للصراع في مالي لأنها بدأت تفقد السيطرة على جماعة أنصار الدين. فقد فتحت مجالها الجوي أمام الطائرات الفرنسية المقاتلة وأغلقت حدودها الجنوبية مع مالي عندما بدأ التدخّل الفرنسي.

في الواقع، منذ بداية الصراع الليبي في العام 2011 إلى الشرق من الجزائر، أصبحت البلاد أكثر استجابة للمشاكل في محيطها. فقد عزّزت وجود قواتها بشكل كبير على طرفي حدودها الشرقي والجنوبي وزادت عدد نقاط التفتيش وطلعات المراقبة الجوية لتتبّع حركة تجار المخدرات وتجار الأسلحة والإرهابيين الذين يمكن أن ينقلوا الصراعات عبر سلسلة من المناطق. وتم أيضاً تشديد الرقابة على المعابر الحدودية وإخضاع عمليات نقل البضائع للسيطرة والمراقبة. في كانون الثاني (يناير) 2012، اجتمع رؤساء وزراء الجزائر وليبيا وتونس في بلدة غدامس الليبية على الحدود الغربية، حيث اتفقوا على تشكيل فرق مشتركة لتحسين عمليات التنسيق الأمني على طول حدود بلدانهم التي يسهل اختراقها ووقف تدفّق المخدرات والأسلحة والوقود. ويعتبر منع تهريب الوقود أمراً بالغ الأهمية لأنه يتيح للمتشدّدين حرية الحركة.

شكا كبار مسؤولي مكافحة الإرهاب الأوروبيين والأميركيين، على مدى سنوات، من أن الجزائر لاتفعل مايكفي لمراقبة حدودها الجنوبية والسيطرة على الموارد التي تساعد مختلف الجماعات المسلحة على النمو والازدهار. إذ أن السيطرة على هذه الحدود ضرورية لإضعاف قدرات تنظيم القاعدة في بلاد المغرب وتعطيل عملياته اللوجستية. وفي الصراع الحالي، إذا ما تم قطع الميزات التي يحصل عليها تنظيم القاعدة وحلفاؤه من الجزائر، فسيواجهون صعوبة في إطالة أمد القتال.

لذلك ليس من المستغرب أن نرى مسؤولي مكافحة الإرهاب الفرنسيين، الذين كانوا يشتبهون حتى أشهر قليلة خلت في أن الجزائر تلعب لعبة مزدوجة في مالي، يثنون على قرارها بإغلاق حدودها الطويلة مع مالي. فدفاع الرئيس فرانسوا هولاند الصاخب عن الهجوم الفتاك الذي شنته الجزائر لتحرير الرهائن، نابع من الحاجة إلى الحصول على مساعدة الجزائر في السيطرة على الحدود.

بدا أن ردّ فعل هولاند يتناقض بشكل صارخ مع ردّ فعل المسؤولين في الولايات المتحدة وبريطانيا، الذين بالكاد أخفوا شعورهم بالإحباط بسبب عدم إخطار الجزائر لهم مسبقاً قبل الغارة. فقد أراد البريطانيون أن تكون عملية الإنقاذ "صعبة" ولكن "ذكية"، بينما أراد الأميركيون لها أن تكون دقيقة ومدفوعة بمراقبة مفصّلة. غير أن الجزائريين فضّلوا "أسلوب المطرقة الثقيلة."

ومع ذلك، فإن محنة الرهائن تمثّل بالنسبة إلى فرنسا فرصة لحشد مساعدة جزائرية ودولية لحملتها العسكرية في مالي. فمنذ استيلاء الإسلاميين على شمال مالي، دفعت فرنسا باستمرار باتجاه الخيار العسكري. إذ يخشى الفرنسيون من أن يهدّد استيلاء الجماعات الإسلامية المسلحة على شمال مالي مصالحهم الاقتصادية في المنطقة ويزعزع استقرار حلفائهم الأكثر أهمية في شمال أفريقيا. وقد دبّرت الهجوم على حقل الغاز في الجزائر في شمال مالي ونفّذته مجموعة من المقاتلين متعدّدي الجنسيات الذين عبروا من خلال النيجر وليبيا. وتفاقم هذا القلق إزاء التشدّد العابر للحدود بسبب التحوّلات الديمقراطية الصعبة الجارية في شمال أفريقيا.

الاضطرابات الإقليمية

إن مخاطر العدوى وتداعيات انتشار الصراع في مالي حقيقية. ففي المقابلات التي أجريت معهم، أعرب مسؤولون بارزون من حزب النهضة الحاكم في تونس، على سبيل المثال، عن قلقهم البالغ من أن تونس تتحوّل وبسرعة إلى ممرّ تهريب لتجار السلاح الذين يعملون بين ليبيا ومالي. فقد تكرّرت عمليات ضبط مخابئ الأسلحة الكبيرة، كما جرى في 17 كانون الثاني (يناير) عندما اعتقلت قوات الأمن التونسية أعضاء جماعة مسلحة وصادرت قذائف صاروخية وبنادق كلاشنكوف. ويمكن أن تصبح تونس أكثر من مجرّد طريق عبور عندما يعود التونسيون الذين يقاتلون إلى جانب تنظيم القاعدة في بلاد المغرب إلى ديارهم من مالي وغيرها.

يُعرب أعضاء النهضة، في مجالسهم الخاصة، عن القلق من أن المشاركة الفرنسية المديدة في مالي قد تصبح نقطة جذب قوية لتجنيد الإسلاميين التونسيين الساخطين والسلفيين المتشدّدين. وهناك أيضاً قلق حقيقي من ردّ فعل عنيف ضد الدول الداعمة للتوغّل الفرنسي. فقد دعم المغرب الفرنسيين منذ البداية. وقدمت الحكومة الإسلامية في تونس دعماً فاتراً للمهمة الفرنسية، معلنة أنها تتفهّم الأسباب التي تقف وراء التدخل.

حتى الآن كانت الروابط عبر الحدود بين المسلّحين واهية، وتعتمد على الجشع والإجرام أكثر من اعتمادها على الإيديولوجيا. لكن الخشية تكمن في أن العصابات الجهادية والسلفيين المتشددين والمتمرّدين الذين ينتشرون بشكل واسع قد يتعاونون ويتوحّدون قريباً، ما يؤدّي إلى زعزعة استقرار الدول التي تمرّ بمرحلة الانتقال من الحكم الاستبدادي ولديها مؤسّسات أمنية ضعيفة. إذ تكافح السلطات التونسية، على سبيل المثال، من أجل إصلاح الأجهزة الأمنية المختلّة وتطوير قدرات قوات الشرطة والدرك لمواجهة التهديدات.

ثمّة خطر يلوح في الأفق حتى في البلدان التي لديها قوات أمنية قوية. فمنذ بدء التدخل الفرنسي في مالي، كان المغرب في حالة تأهّب قصوى. ومن المعروف أن العديد من المغاربة انضموا إلى الجماعات المسلحة في مالي. وتشعر البلاد بالقلق أيضاً إزاء الاستقرار في قطاع ضخم من الصحراء في الصحراء الغربية.

ماذا نفعل الآن؟

بعد أن تم إبلاغه بالتوغّل الفرنسي في مالي في 11 كانون الثاني (يناير)، تساءل الجنرال كارتر هام، رئيس القيادة الأميركية في أفريقيا قائلاً: "ماذا نفعل الآن؟" بطبيعة الحال يتمثّل الاختبار الحقيقي في مالي في الحيلولة دون تكرار الأخطاء التي أعقبت العملية التي قام بها حلف شمال الأطلسي (ناتو) في ليبيا، فضلاً عن غزو أفغانستان في العام 2001 والعراق في العام 2003. غير أن الردود العسكرية وحدها لن تهزم الجماعات الإرهابية أو تستأصل الإيديولوجيات العنيفة. فالجماعات المتشدّدة المسلحة قد تشبه بعضها بعضاً، إلا أن الظروف المحلية (السياسية والاقتصادية والأمنية) التي تدفعها للقيام بأعمالها تختلف وتحتاج إلى أن تُدرس بدقّة.

الهدف الذي حدّدته باريس لنفسها في مالي طموح، وهو يتمثّل بإعادة احتلال الشمال وهزيمة الجماعات المسلحة واستعادة الوحدة الوطنية في البلاد. ولكي يسكتوا أي اتهام لهم بممارسة الاستعمار الجديد، يسعى الفرنسيون جاهدين لإعطاء وجه أفريقي لتدخلهم من خلال المساعدة على إعداد وتجهيز الجيش المحلي في مالي وترتيب بعثة دعم دولية بقيادة أفريقية.

القوات المالية والأفريقية هي الحلقة الأضعف في خطة استعادة السيطرة على منطقة تزيد مساحتها عن مساحة فرنسا مرتين. فهذه القوات سيئة التدريب والتجهيز والتنظيم لن تكون جاهزة تماماً قبل أشهر عدة. كما أن مستواها المهني يشكّل مشكلة أيضاً. فقد التزمت نيجيريا، على سبيل المثال، بتوفير قوات لهذه المهمة. ولكن في نيجيريا، يؤجّج سلوك هذه القوات، والأضرار الجانبية التي تسببها في الواقع، عمليات التمرّد في البلاد، ويزيد من التعاطف الشعبي والتأييد لحركة بوكو حرام، المنظمة الإسلامية المحلية في نيجيريا.

من المرجّح أن يفضي التدخل الفرنسي إلى إخراج المقاتلين الإسلاميين المتطرفين من المدن الرئيسة والمراكز الحضرية في مالي ويدفعهم إلى اللجوء إلى الجبال الصحراوية الضخمة بالقرب من الحدود الجزائرية. ولذلك فإن التعاون الجزائري أمر بالغ الأهمية هنا، مثلما أن منع الانتقال عبر الحدود والحرمان من توفير ملاذ ضروريان لنجاح المهمة الفرنسية في مالي.

وقد يؤدّي التوغل الفرنسي أيضاً إلى تفاقم التوتّرات الطائفية وتأجيج العلاقات العرقية. وهناك خطر يتمثّل في احتمال أن يمارس الجيش المالي أو الميليشيات الأمنية أعمال انتقام ضد الطوارق والعرب من ذوي البشرة الفاتحة الذين شاركوا في التمرّد الذي طرد القوات المالية من الشمال. فقد أسفرت الصدامات بين الجيش والطوارق في ثلاث تمرّدات سابقة عن سوء معاملة مروعة بحق المدنيين.

كما يزيد التداخل بين المجموعات العرقية والجماعات المسلحة في غرب أفريقيا من احتمال امتداد الصراع إلى دول الجوار وتصعيد التشدّد والهجمات الإرهابية.

للتخفيف من المخاطر، يجب أن يكون التدخّل مصحوباً بإستراتيجية سياسية سليمة تتولى إدارة مصالح المجموعات المتباينة ويضّم ائتلافاً من النخب الرئيسة من كل الجماعات في شمال مالي، بما في ذلك الطوارق والعرب. ومن الملحّ أن تعرف السلطات المالية وحلفاؤها الغربيون بدقة الأطراف التي تدعم المنظمات المسلحة والسبب في ذلك.

لقد طوّر تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي شبكات مثيرة في شمال مالي، على رغم أن وجود الجماعة يقوم على أسس غير مستقرّة. فتقلبات الارتباطات القبلية والولاءات العشائرية والتحالفات البدوية تجعل وجود التنظيم سريع الزوال، مثلما يفعل التوازن غير المستقرّ داخل وبين المجتمعات المختلفة التي تعيش في الشمال. وفي بيئة اجتماعية معقّدة حيث تتغير الولاءات باستمرار، فإن العديد من الأفراد مستعدّون لتبديل ولاءاتهم بسهولة إذا ما قُدّر لهم ن يستفيدوا من ثمار السلام.

لكن، من دون فهم التضاريس البشرية، سيكون من الصعب تجفيف قاعدة دعم المتشددين. وحتى لو تم إضعاف تنظيم القاعدة في بلاد المغرب بشدّة، فإن التشدّد القائم على العشيرة أو العرق سيستمر.

هذه العناصر السياسية والإنسانية للمجهود الحربي في شمال مالي تبدو ضرورية لتحقيق الاستقرار في الشمال. ومع ذلك، لن يحدث هذا ما لم تحلّ الدولة في مالي أزمة شرعيتها وتفتح حواراً صادقاً مع السكان المحبطين في الشمال. فقد كان الشمال مسرحاً للتدهور البيئي والتغيير الديموغرافي والصراع على الموارد بين المزارعين والرعاة. وفاقم ضعف الإدارة وإهمال هذه المنطقة ذات المساحة الشاسعة التوتّرات العرقية والقبلية وخلّف المشاكل الهيكلية المهملة والمتمثّلة بالتخلف والفقر، والتي أنتجت ثورات الشمال في العام 1963، وفي تسعينيات القرن الماضي، وكذلك في الفترة بين 2006 و2009.

حتى الآن، تبدو الطبقة الحاكمة في باماكو مهتمة باستعادة الشمال وإعادة وضع سابق لا يطاق إلى ما كان عليه أكثر من اهتمامها بتيسير المصالحة الوطنية والتعافي وإعادة البناء. لكن ذلك يجب أن يتغيَّر. إذ أن وجود حكومة شرعية هو وحده الكفيل بمعالجة المظالم الملتهبة في الشمال. ويجب على القادة السياسيين في مالي إعادة بناء نظام سياسي - اجتماعي جديد يمنح الشمال حكماً ذاتياً حقيقياً ويقيم توازناً مناسباً بين الدين والدولة.

لكن ليس في وسع مالي أن تقوم بهذا وحدها، فهي ستكون في حاجة إلى مساعدة من المجتمع الدولي والدول المجاورة لمعالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والأمنية. والجزائر على وجه الخصوص لم تعد تملك ترف البقاء خارج ما يتكشّف من أحداث في مالي، ولا هي تستطيع تحمّل تجاهل الروابط القائمة بين الإسلاميين الراديكاليين المحليين ومن يجوبون الأراضي البور الصحراوية في منطقة الساحل. ففي نهاية المطاف، يبقى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي ظاهرة جزائرية. وحده الزمن كفيل بأن يكشف لنا ما إذا كان التحوّل في البلاد نحو سياسة خارجية أكثر براغماتية سيؤدّي إلى تغيير دائم في النهج.

 

http://arabic.carnegieendowment.org/publications/?fa=50770&lang=ar

مجموعة عبد العزيز قاسم البريدية. للاشتراك أرسل رسالة فارغة إلى: azizkasem2+subscribe@googlegroups.com - أرشيف الرسائل

5


هي لا تمثلك يا نبيلة محجوب ..فهل أنت تمثلينها؟


محمد القرني

أخي أبا أسامة

سلام الله عليكم وعلى رواد المجموعة المباركين .


وبعد ..فهذه مناقشة هادئة للأخت نبيلة محجوب في مضمون مقالها الوارد في رسالة المجموعة ذات الرقم :2331 تحتج فيها على إحدى المداخلات في حلقة (حراك ) عن تعيينات الشورى . وهو نقاش موضوعي منطقي أزعم أنه من الحوار المطلوب في قضايانا المثارة بتشنج غير مناسب في بعض الأحيان .


قالت :أحترم حق كل فريق أو فئة أو فرد في الدفاع عما يؤمن به، فمن حق الجميع طرح الرأي حتى لو خالف رأيي، بشرط ألا يلغيني أو يلغي رأيي أو يتحدث نيابة عني دون إذني!


نص كلامها باللون الأحمر لتمييزه:


هي لا تمثلك فهل أنت تمثلينها؟!


        بدأت الأخت نبيلة بالهجوم على من تسميهم : دعاة الرجعية  هذه النغمة والشنشنة  نعرفها من فئة ترى العودة إلى قيم الإسلام وأخلاقه تخلفا وانطواء لأنها سبب تأخر الأمة وضعفها – بزعمهم - بينما ترى تلك الفئة الارتماء في أحضان الثقافة الغربية ؛ بحلوها ومرها وصالحها وفاسدها ، هو التقدم والرقي كما قال أحد منظريهم في القرن الماضي وهم يجترون هذا الكلام بمناسبة وبغيرها ، وأخشى أن تكون تضرب على الوتر ذاته .

        

 الغاية تبرر الوسيلة : لم يقل أحد من التيار الذي تغمزه الكاتبة : إن الغاية تبرر الوسيلة ؛ لأنهم يؤمنون بأن الغاية يجب أن تكون مشروعة ، والوسيلة يجب أن تكون مشروعة كذلك ، ولا مساومة على هذا لمن صفت عقيدته وسلمت فطرته.

       

 مداخلة ربما أعجبت صاحبتها  لتطربنا بصوتها : الحقيقة التي لا تريد الكاتبة أن تعرفها ، بل عرفتها ولكنها تحاول إخفاءها ؛ هي أن المداخلة المشار إليها قد أطربت الغالبية الساحقة من أبناء الوطن وبناته ، وأشعرتهم بجوهر نساء الوطن الذي لم تفسده الثروة ، ولم تبهره الأضواء ، ولم يتلبس فكرا وافدا لا يخفى عواره على ذي بصيرة.

       

اختزلت فيها أصوات كل النساء السعوديات : أين الإنصاف في هذا التعميم ؟! والكاتبة المحترمة  تدعي أن النساء السعوديات (كلهن ) على خلاف رأي صاحبة المداخلة  ، متفقات مع رأي الكاتبة !! فأين دليلها ؟ هل أجرت إحصاء وبحثا علميا بنت عليه ؟ أم هو الاختزال عينه الذي تنسبه إلى غيرها ، وتبرئ نفسها منه؟!

    

 من أنت وماهي صفتك ؟ : من حق الكاتبه أن تسأل عن المداخِلة لتعرفها ، ولكن من غير غمز ولمز ؛ فقد سبقها (زعيم ما ) إلى هذا القول ولم يكن موفقا ، ثم إن الأخرى قد تطرح السؤال على الكاتبة بالصيغة نفسها ، وهذا عيب في الحوار الهادف لا ينبغي التمادي فيه.

     

  من له الحق أن يسلب صوتي : لا أحد يحق له أن يسلب صوت غيره ، ولكن الناس يعلمون ما تحاول الكاتبة إنكاره ؛ وهو أن الغالبية مع الرأي الذي تريد تجاهله فلماذا تتشنج وتغضب إن كان مرادها أن تصل إلى لحقيقة بتجرد ؟!

      

  وعدم فهم آليات الديمقراطية التي يطالبون بها : الديموقراطية لم تنجح في عقر دارها ، ولم تحل مشكلات أهلها ، وواقعهم يشهد بذلك ، والذين يدعون صلاحيتها من المسلمين مازالوا يكتوون بنارها ، فهل نجرب المجرب لنخرب مع من تخرب ؟ وما أظن أحدا ممن تغمزهم قد دعا إلى ما تقول ، وليست لديهم الرغبة في غير منهج بلادنا المستمد من الكتاب والسنة ، وفيه الكمال والغنية عن كل المستوردات الفكرية (المخالفة)

     

 أنا لم أفوضها : حقا  وهي لم تفوضك ؛ فلماذا تكيلين بمكيالين ؟!

       

 بؤرة الرؤيا! : هل الرؤيا منامية فتحتاج إلى معبر أحلام ؟ أم تقصد الكاتبة الرؤية  من الرأي فأخطأت الطريق؟!

     

 (فلتكن منكم أمة يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) : صحة الآية ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك  هم المفلحون) آل عمران.104

       

متدينة جداً جداً : نسأل الله أن يثبتنا وإياك على الحق ، ولكن الله يقول : (ولا تزكوا أنفسكم ).

      

 أؤمن بالحرية والمساواة والانفتاح :  ليت الكاتبة الفاضلة أخبرتنا عن مدى الحرية التي تريدها ، وعن المساواة ومقاييسها ، وعن الانفتاح وهل له حدود وضوابط ، أم تريده حسب العبارة الممجوجة لكثرة تكرارها (حسب الضوابط الشرعية )؟!!

    

والسير إلى الأمام لا النكوص إلى الخلف : إن السير إلى الأمام هو السير في طريق الله ورسوله وكتابه وقيم الأمة وآدابها ، أما عكس ذلك فهو النكوص والانقلاب إلى الخلف شاء من شاء وأبى من أبى ( ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين ) آل عمران 144

    

  إذا كانت هي ناقمة لأنها حرمت هذا الشرف : إن ثقة ولي الأمر في شخص ما ، هي قبل التشريف تكليف ، وهي أمانة تخلت عنها السماء والأرض والجبال ، ولكن النظرات المادية تقيس الأمور بمقاييس أخرى ، والأمر لله .

    

  لا يملكن قيمة استقدام سائق ويمكن أن يتسبب في مشاكل مرورية وأخلاقية وثقافية: بينما تحاول توجيه الاهتمام بقيادة السيارة ، تظهر الشفقة على نساء لا يملكن (قيمة ) استقدام سائق ، ولكن الكاتبة - وفقها الله – نسيت أن السيارات لا توزع مجانا ،وأن أثمانها أدخلت نسبة عالية من الموطنين من بوابات الديون التي لا تنتهي إلا لتبدأ!!  وأن صيانتها لا تطاق ، وأن حوادثها في تصاعد مطرد ، وأن أغلب النساء لها من يخدمها من زوج أو ابن أوأخ ، والقليل منهن من تحتاج إلى سائق ، فالحق أن توفر لهن المواصلات العامة ، وهو ما نسمع أن دولتنا - وفقها الله - تسعى إليه وعسى أن يكون قريبا.

    

أما مشكلات المرور والمشكلات الأخلاقية فهي – بلا شك - ستزيد بزيادة أعداد السيارات ، والاحتكاك المباشر مع أصناف من البشر ، الله أعلم بنتائجها ومآلاتها.

    

 الارتهان للسائق أو لولي الأمر أو أنها تجلس حبيسة البيت.: وما العيب في أن تبقى معززة مكرمة مخدومة مصونة ، إذا كان والدها الوقور،  وأخوها الكريم ، وزوجها الغيور؛ يقوم بخدمتها ذاهبة وآيبة ، كالملكة المتوجة ، ولكن لله في خلقه شؤون .

      وبعد فإني لا أدافع عن أحد ولا أتهم أحدا ، ولكنه رأي طرح للنقاش ، و الله يتولى الجميع بتوفيقه.

محمد القرني :19/3/1434هـ

مجموعة عبد العزيز قاسم البريدية. للاشتراك أرسل رسالة فارغة إلى: azizkasem2+subscribe@googlegroups.com - أرشيف الرسائل



تحت عنوان "Un peuple dans la tourmente" نشرت صحيفة "لكسبرس" بتاريخ 25/01/2013 على موقعها الإلكتروني (L'Express.fr)  التحقيق التالي الذي أجراه الصحافي الفرنسي بوريس تيولاي Boris Thiolay ميدانياً. وفي ما يلي ترجمته.
ترجمة : حسين جواد قبيسي

يفخر رجال الطوارق بأنفسهم وهم يتلفّعون بحجابٍ يستر وجوههم، فلا تبين منه إلا عيونهم، ويعتمرون لفَّةً من القماش النيلي اللون، وجلابيب باللون النيلي نفسه، تصل إلى أخامص أقدامهم، فيُسمّيهم الغربيون "الرجال الزرق". والطوارق كلمة بربريّة تعني "الانعزاليون"، ويبلغ تعداد الطوارق جميعاً حوالى المليون ونصف المليون نسمة يعيشون متفرقين بين خمس دول: النيجر حيث يبلغ تعدادهم 800 ألف نسمة، ومالي 500 ألف نسمة، والباقي في الجزائر وبوركينا فاسو وليبيا. ويجمع بين مختلف جماعات الطوارق اتّحادٌ سياسي إقليمي. والطوارق شعب بربري ما زال يعيش حياة البداوة، وعاش على مدى مئات السنين من تجارة القوافل بين أطراف الصحراء، فكان الطوارق قطّاع طرق يهاجمون القوافل وينهبونها.

ينقسم مجتمع الطوارق إلى ثلاث مراتب، أرفعها مرتبة النبلاء تليها مرتبة رجال الدين وأخيراً مرتبة العبيد. فالطوارق شعب أبيض مارس ـ على غرار ما فعلت شعوب المنطقة جميعاً ـ استعباد السود منذ زمن بعيد. وغالباً ما يؤخذ على الطوارق استمرارهم في ممارسة هذا التقليد القديم. كما لا يزال بعض جماعات الطوارق يمارسون تقليداً يعود إلى ما قبل الإسلام، فالمرأة في المجتمع الطوارقي سافرة تتمتّع بحرية تحسدها عليها المرأة المسلمة في مجتمعات أخرى. ومع أن تواتر حالات الجفاف الذي يُصيب المنطقة منذ العام 1973، وتناقص قطعان الماشية، أدّى إلى تراجع حياة البداوة، واندثار تقليدٍ يقضي بأن تكون المرأة هي مالكة الخيمة والقطيع، فإن حياة التنقّل ما زالت غالبة في معيشة الطوارق، وما زال المبيت في الخيمة أو في العراء عادة مفضَّلة، على الرغم من أن بعض شبّان الطوارق يمارسون ركوب الدراجات النارية والسيارات المتينة.
 
بدو "عاطلون عن العمل" ومتمرّدون
يعيش الطوارق هذا التقسيم بين جماعاتهم المختلفة، منذ أن بدأت أفريقيا تنقسم إلى دول مستقلة وذات حدود، في الستينيّات، كما عانى الطوارق من الفترة التي كانت فيها هذه الدول خاضعة للاستعمار، وقد فُرِض عليهم أن يكونوا طوارق نيجيريّين وطوارق جزائريّين أو ماليّين أو ليبيّين.. وهكذا وجدوا أنفسهم يعيشون على حدود هذه الدول الوليدة، وعند أطراف الصحراء، في مناطق شاسعة بعيدة من العواصم وغير قابلة للرقابة. وغالباً ما يقاومون موظفين حكوميّين قادمين من مناطق أخرى بُغيةَ فرض سلطة الحكومة المركزية عليهم. وفي تلك الفترة من الزمن، كان الطوارق في شمال مالي يشعرون وكأن هناك من لا يعرفونه ويأتي إليهم ليستعمرهم. لكن النظام الاشتراكي في عهد الرئيس موديبو كيتا (1960 ـ 1968) كان يرى في الطوارق فئة اجتماعية إقطاعية يجب اتّخاذ إجراءات معيَّنة تجاهها. فما كان من قبائل "أدرار" في منطقة كيدال، إلا أن تمرّدت في العام 1963 على النظام المركزي. وكان ردّ السلطات المالية على هذا التمرّد قمعياً دموياً. ومنذ ذلك الوقت، وتمرّد الطوارق في شمال مالي وشمال النيجر يتكرّر بين الفينة والفينة(1992، 1994 ـ 1996، 2006) وفي كلّ مرّة كانت تخرج المفاوضات بين الطوارق والحكومة باتفاقٍ يقضي بالمزيد من تطوير منطقة الطوارق ومنحها مزيداً من الحكم الذاتي. وفي واقع الأمر كانت تلك المفاوضات تنتهي باتفاقيات جانبية تلعب فيها المحسوبية والمال وأنصاف الحلول الدور الرئيس.
في السنوات الثلاثين الماضية، أصاب مجتمع الطوارق تغيّرات عميقة؛ فبعد خسارة الكثير من قطعان الماشية بسبب الجفاف، تحوَّل قسمٌ كبير من الطوارق إلى العيش في المدن الصحراوية، بعدما فشلوا في التكيّف مع العيش في ضواحي مدن الساحل الصحراوي. كما هاجر آلاف العاطلين عن العمل منهم إلى ليبيا من أجل العمل في الصناعات النفطية، سعياً وراء الكسب المادي.
في الثمانينيّات هبَّت رياح التمرّد على يد "العاطلين عن العمل"، هؤلاء الذين لم يدَّخر العقيد معمَّر القذافي جهداً لتأليبهم ضدّ الحكومة المركزية وفقاً للسياسة التي كان يتَّبعها الرئيس الليبي لزعزعة الأوضاع في البلدان المجاورة له. هكذا، دخلت أفواج من الطوارق في صفوف الجبهة الإسلامية وتعلّمت حمل السلاح واستخدامه. حتى أن واحداً منهم ويُدعى إياد آغا غالي يتولّى اليوم قيادة التنظيم الإسلامي "أنصار الدين"، وكان في العام 1982 قد حارب في لبنان، كما حارب في تشاد، تحت قيادة ليبيّة.
 
شمال مالي ساحة حرب
كان لـ"قدامى المحاربين" هؤلاء دور بارز في الأحداث المأسوية التي جرت مطلع العام 2012. وبعد انهيار نظام القذافي عادوا مع المئات من مناصريهم المقاتلين إلى شمال مالي، حيث رجّحوا كفة التوازن العسكري وباتت لهم الغلبة والتفوّق على الجيش المالي. وسرعان ما فرَّ من الجيش النظامي المالي عدد كبير من الجنود الطوارق كانوا يشكّلون فيه نخبة تدرَّبت على الأميركيّين والفرنسيّين، والتحقوا بالمتمرّدين في الشمال، حيث تشكَّلت "الحركة الوطنية لتحرير إقليم أزواد" في شهر يناير (كانون الثاني) 2012، وهي حركة انفصالية "علمانية" تحالفت مع عدوّها السابق، تنظيم "أنصار الدين"، أي الجماعة الإسلامية المتحالفة مع تنظيم "القاعدة في المغرب الإسلامي".
في 6 أبريل (نيسان) 2012، أعلنت "الحركة الوطنية لتحرير أزواد" إقليم أزواد، الذي تعادل مساحته ثلثي مساحة مالي، إقليماً مستقلاً. لكن الأمم المتّحدة سارعت إلى رفض الاعتراف بشرعية هذا الإعلان. كذلك، فإن مقاتلي الحركة سرعان ما مُنِيوا بهزيمة عسكرية وطُردوا من مدن كيدال وتمبكتو وغاو على يد مسلَّحي "أنصار الدين" و"تنظيم القاعدة" و"حركة الجهاد والوحدة في أفريقيا الغربية". ومذّاك، أخذت هذه التنظيمات الثلاثة تطبِّق الشريعة الإسلامية وتبعث الرعب في قلوب أبناء المنطقة، في حين تراجعت "الحركة الوطنية لتحرير أزواد" عن مطلبها الانفصالي وعن المطالبة باستقلال الإقليم، في محاولةٍ منها للعب دور في أيّ مفاوضات تجري لاحقاً؛ حتى أنها أبدت استعدادها لمساعدة القوّة الفرنسية التي شنَّت عملية "سرفال" (Serval) لطرد الجهاديّين الإسلاميّين من شمال مالي، والتي ما زالت لم تُـفـلِـح في إنجاز مهمّتها. في حين أعلن الجناح المعتدل في تنظيم "أنصار الدين" تمرّده على القيادي إياد آغا غالي، وأنشأ "حركة أزواد الإسلامية" التي أعلنت رفضها لأيّ شكلٍ من أشكال التطرّف والإرهاب"، وتعهَّدت بمكافحته.

مجموعة عبد العزيز قاسم البريدية. للاشتراك أرسل رسالة فارغة إلى: azizkasem2+subscribe@googlegroups.com - أرشيف الرسائل

7


هل يمكن إنقاذ انتفاضة مصر الديمقراطية؟

ناثان ج. براون مقال تحليلي



، الإثنين 24 كانون الأول/ديسمبر 2012

في مشهد طواه النسيان يعبّر عن طفرة الوحدة الوطنية، عبّر المصريون عن ابتهاجهم في 11 شباط/فبراير 2011، وهم يشعرون بالدهشة إزاء ماقاموا به، حيث أرغموا حاكماً مستبداً أمضى فترة طويلة في الحكم على التنحّي من منصبه من خلال احتجاجات ضخمة جرت في جميع أنحاء البلاد. وفي اللحظة السياسية النقيّة لتلك الانتفاضة من الناحية الظاهرية، كان من السهل أن نتصوّر حصول عملية انتقال سلمية إلى مستقبل منفتح وديمقراطي وعادل وأكثر ازدهاراً. بيد أنه بعد أقلّ من عامين، تحوّلت هذه البداية الديمقراطية الظاهرة، بصورة تدريجية، إلى واقع سياسي صعب. صحيح أنه جرت الموافقة على الدستور الجديد، بيد أن الأرقام الأولية تشير إلى موافقة أقلّ من ثلثي الناخبين (نسبة منخفضة جداً في بلد تعوّد الناخبون فيه على أن يطلب إليهم أن يقولوا نعم) وإقبالاً يقلّ عن ثلث من يحقّ لهم الاقتراع. واليوم تبدو ثمار الثورة مرّة بالفعل، حيث تدور الصراعات السياسية بين الأشقاء، ويجري تبادل الاتهامات الغاضبة والشنيعة، وتندلع أعمال العنف من حين إلى آخر، ويسود الخوف.

الثورة في مصر صنعتها مجموعة من الناشطين الذين يتميّزون بالإقدام والجرأة من ذوي الأجندات الغامضة التي يصعب فهمها أو تفسيرها، وحشود من المواطنين العاديين الذين يدخلون ميدان السياسة لأول مرة، وكوادر جماعة الإخوان المسلمين الذين كانوا منضبطين ولكن حذرين، وأجهزة الدولة التي بقيت إما متحفّظة أو غير قادرة على الدفاع عن النظام السابق. بيد أن الخصائص ذاتها التي خدمت قضية التغيير السياسي في أوائل العام 2011 هي التي رسّخت فيما بعد الشكوك والسلوك المريب.

ناثان براون

باحث أول غير مقيم
برنامج الشرق الأوسط

 

في هذه المرحلة، تبدو أخطاء السنة ونصف السنة الماضية جليّة للغاية، خاصّة في ظلّ المرارة التي نجمت عن الاستفتاء على الدستور في جميع الجوانب. ولذا فإن الحكاية تبدو حكاية الإسلاميين الذين يغالون في التمدد ويتمتّعون بالأغلبية، والجهات الفاعلة المعارضة غير الإسلامية المنقسمة التي تفتقر إلى الكفاءة، والعناصر المتآمرة في الدولة العميقة.

تُلقي الجهات السياسية الفاعلة المختلفة في مصر باللائمة على بعضها بعضاً بسبب سوء النيّة، ولأسباب وجيهة. فقد تصرّف الإسلاميون بطرق تبرّر أسوأ إجحاف مارسه منتقدوهم بحقّهم. ويدّعي البعض من غير الإسلاميين بأنهم يتحدثون باسم الشعب حتى عندما تفوّض أغلبية الشعب معارضيهم على وجه التحديد التحدث نيابة عنها. وقد ناضلت المعارضة لتوحيد صفوفها أو إيجاد استراتيجية مشتركة لها. وأعاقت أجزاء هامة من جهاز الدولة العملية الانتقالية، حيث كانت بعض الجهات الحكومية تخلط بصورة روتينية بين مصالحها المؤسّسية الخاصة وبين مصالح المجتمع بأكمله.

لكن، في حين حدثت تجاوزات كثيرة، فإنها تبدو نتيجة بقدر ماهي سبب. إذ تكمن خلفها عملية انتقالية إشكالية للغاية. فقد خلقت العملية بيئة تشجّع الجهات الفاعلة على اعتماد استراتيجيات وتكتيكات بدت منطقية بالنسبة إليها على المدى القصير، لكنها أثبتت أنها ضارّة جداً بالنسبة إلى عملية إعادة البناء السياسي على المدى الطويل في مصر.

إذا كان هناك مايبعث على الأمل الآن، فهو أن الاستفتاء على الدستور ربّما يفرض على الجهات الفاعلة أن تعيد النظر في حساباتها. فقد تدرك جماعة الإخوان في النهاية أن في وسعها الحصول على الكثير مما تريد من خلال أساليب أقلّ صرامة وقسوة، وقد تجد المعارضة أن العملية الانتخابية توفّر لها إمكانيات أكبر للنجاح. وإذا مانظرت الجهات الفاعلة إلى خياراتها بشكل مختلف، عندها فقط يمكن لمصر أن تتحرّر من أزمتها الحالية.

الخطيئة الأصلية: عملية معيبة

يعمل المصريون في إطار سياسي يصعب حتى على الملائكة التعاطي معه بإنصاف. لم تكن العملية الانتقالية في مصر سيئة التصميم؛ بل لم يجر تصميمها أصلاً. ويكمن الخطأ الأصلي للعملية الانتقالية في مصر في سلسلة من القرارات قصيرة النظر التي اتّخذتها جهات فاعلة حسنة النية عموماً، لكنها قصيرة النظر، والتي جرى إقحامها في سلطة محدودة في شباط/فبراير وآذار/مارس 2011. في ذلك الوقت، جرت مناقشات مطوّلة حول تسلسل الانتخابات الرئاسية والانتخابات البرلمانية وكتابة الدستور. بيد أن جزءاً كبيراً من هذا النقاش فشل في فهم جزء أساسي من العملية، وخدع المحلّلين والنشطاء بشأن الأخطاء الحقيقية التي كانت ترتكب.

تمثّلت المشكلة الأساسية في أن العملية منحت السلطة المطلقة في سياق العملية الانتقالية للقيادة العسكرية، لالسبب سوى لأن القيادة العسكرية ادّعتها لنفسها، ولم يكن أحد يعرف في البداية ماينبغي القيام به. وتمثّل البديل الأسلم في اقتراح إقامة مجلس رئاسة كان من شأنه أن يجبر القوى السياسية الرئيسة في البلاد، إذا كان من الممكن تحديدها وإذا ماكان بوسعها إدارة خلافاتها، على المضيّ قُدُماً بتوافق الآراء. لكن الجماعات الثورية لم تتوحّد حول هذه الفكرة إلا بعد فوات الأوان.

لذلك، كان الجيش حراً في ارتكاب الزلّة التالية بتكليف لجنة صغيرة خاصة بوضع خطة للعملية الانتقالية من خلال تعديل مجموعة من المواد في الدستور المصري التي كان قد اختارها الرئيس المصري المترنّح، حسني مبارك. وقد أُقِرَّت هذه التعديلات التي صيغت في السر على عجل في استفتاء آذار/مارس 2011. ومن ثم أدرج الجنرالات هذه التعديلات من جانب واحد في إعلان دستوري جديد كلياً، ووضعوا دستور البلاد القديم جانباً. لم يتم الكشف عن واضعي الإعلان الدستوري، لكنهم كرّسوا سابقة خطيرة سمحوا بموجبها للمتربّعين على رأس هرم النظام السياسي بالادّعاء بأن "السلطة التأسيسية لي"، أو على نحو أكثر ركاكة، "الدستور هو كل ما أقول إنه دستور".

اختار الإعلان الدستوري الجديد أحكاماً من دستور العام 1971 الذي عُلِّق العمل به وحذف أحكاماً أخرى من دون تقديم أي توضيحات. من بين الأحكام التي رُفِعَت تلك التي تتعلّق بإدخال تعديلات دستورية، وهو مايعني أنه إذا دعت الحاجة إلى إدخال تعديل فيجب أن يؤكّد النص أولاً – وقد أصبح من الضروري إدخال بعض التعديلات في نظر الجهات الفاعلة المختلفة - ومن ثم الجيش والرئيس سلطته على الدستور. ولو أُدخِلَت تعديلات دستورية بعد إجراء مشاورات موسّعة، فلربّما كانت سائغة. غير أن الجنرالات كانوا سيّئين في مسألة التشاور، وتبيّن في وقت لاحق أن أول رئيس جرى انتخابه بحرية كان أسوأ على نحو كارثي.

بدأت الشكوك بعد استفتاء آذار/مارس مباشرة. فقد كان الإسلاميون يشتبهون في أن أجندة شركائهم الثوريين الحقيقية تتمثّل في تأخير أي انتخابات جرى اقتراحها بسبب خشيتهم من قوة أداء الإسلاميين. وقد شعر غير الإسلاميين، بمشروعية مماثلة، بأن الإسلاميين كانوا يدفعون بقوّة من أجل إجراء اقتراع حتى يتمكّنوا من شقّ طريقهم والحصول على أكبر عدد من المقاعد.

لم تكن مثل هذه الخصومات السياسية سيّئة في حدّ ذاتها. فقد كانت المشكلة الأعمق تتمثّل في أن الطريقة الوحيدة لحلّها ليست من خلال المفاوضات والتسويات والتوافق بل من خلال الضغط على الجنرالات ومضايقتهم ومساومتهم. وقد أدّت الشكوك بوجود صفقات منفصلة واتفاقات سرّية إلى تعميق المخاوف، وسرعان ما أدركت الجهات الفاعلة في مصر بأنه لايلزم أن تكون المزاعم مقرونة بالأدلّة كي تؤخذ على محمل الجدّ

كان يمكن بالتأكيد تصميم عملية انتقالية أكثر توافقيّة نظراً للبيئة السائدة. ولم تكن الخلافات كبيرة، في الواقع، بشأن ماينبغي أن تبدو عليه الآلية السياسية في مصر. وقد وحّد جزء كبير من الإطار الأساسي - رئاسة أضعف وحريات أقوى وإجراءات أكثر ديمقراطية واستقلال القضاء - كامل الطيف السياسي تقريباً. لكن اللجنة الخاصة الصغيرة، والتي عملت على عجل إلى حدّ كبير، أدخلت عدداً من القنابل الموقوتة في الإجراءات.

نصّت هذه الإجراءات على أن تتولّى 100 شخصية يختارها البرلمان صياغة دستور جديد. بيد أن هذا لم يضمن أن يكون لكل شخص رأي. وكان من المقرّر عرض مسوّدة الدستور التي تقدّمها الجمعية التأسيسية على الناخبين فوراً للتصويت عليها بالموافقة أو الرفض بأغلبية بسيطة.

لم يدرك أحد في ذلك الوقت كم ستكون الإجراءات المحدّدة في صالح الإسلاميين. كانت القوة الانتخابية الإسلامية متوقّعة، ولكن في نهاية المطاف كان حجم انتصاراتهم البرلمانية والرئاسية بمثابة مفاجأة.

كانت هذه عملية مصممة للعمل بشكل جيد فقط إذا كان هناك توافق عميق بالفعل، لكنها نادراً ما أنتجت توافقاً.

ما أن تحوّلت آليات آذار/مارس 2011 المربكة، والتي جرى تصميمها على عجل، ببطء إلى إجراءات فعلية، حتى تحصّنت جماعات المصالح حولها تدريجياً. فقد طرحت الجهات الفاعلة المختلفة فكرة التفاوض على مجموعة من "المبادئ فوق الدستورية" الملزمة لتوجيه عملية صياغة الدستور، ومن ثم حوّلتها إلى وسيلة لحماية مصالحها الحزبية. وكان غير الإسلاميين يحبّذون الفكرة صراحة باعتبارها وسيلة لتقييد أيدي الإسلاميين، وقاومها الإسلاميون للسبب نفسه، فيما اعتبرها الجيش وسيلة لإدخال أحكامه الدستورية المفضلة.

أخطاء التطبيق

بينما كانت العملية الانتقالية في مصر تمضي قُدُماً متعثّرة، لم يكن ثمّة ماتقدمه لمختلف القوى السياسية سوى الإغراءات التي يولّدها الحسد المتبادل، والغضب من الخصوم، والطمع في الحصول على السلطة السياسية. إذ لاتكمن الثغرات التي فتحت في آذار/مارس في مجالات إعادة البناء السياسي الدائم فقط، ولكن أيضاً في الحوكمة خلال الفترة الانتقالية.

تم، وبصورة جراحية، إزالة بعض الأحكام الأساسية (ولو أنها خاملة) الواردة في دستور العام 1971 المتعلّقة بالرقابة البرلمانية على السلطة التنفيذية من إعلان آذار/مارس 2011 الدستوري. وقد وجد أعضاء البرلمان الذين أخذوا مقاعدهم أخيراً في كانون الثاني/يناير 2012 أن لاشيء يحدث مهما كانت قوة ضغطهم في التصويت على القرارات السياسية المعروضة أمامهم، حيث لم يكن لديهم تأثير على تشكيل الحكومة أو على السياسة. وفي الواقع، واجه النواب، حتى عندما عملوا على إصدار تشريعات عادية، احتمال اعتراض الجيش على أي مبادرة.

اشتكى قادة جماعة الإخوان المسلمين بشكل صاخب، بعد أن أيقنوا بسرعة أنهم مرغمون على تحمّل المسؤولية عن أداء الحكومة الضعيف في مجال السياسة من دون أن يسمح لهم بممارسة أي سلطة فعلية. وردّاً على ذلك فهم يزعمون أن القيادة هدّدت بأن تلغي فوز حزب الحرية والعدالة التابع لهم في الانتخابات البرلمانية أوائل العام 2012 بموجب قرار من المحكمة. وتقول جماعة الإخوان إن التهديد أقحمها بشكل كامل في السياسات الرئاسية، ماحدا بها إلى إلغاء قرار اتّخذته منذ فترة طويلة بعدم تسمية مرشح لهذا المنصب. ومع تدهور البيئة السياسية، لم تعد جماعة الإخوان تشعر بالحاجة نفسها إلى طمأنة الجهات الفاعلة الأخرى بأن الإسلاميين لن يتبنّوا موقفاً قوياً. وبذلك نُسي شعارها السابق، "مشاركة لامغالبة".

كان الخطاب المتصاعد من جميع الأطراف ضارّاً بقدر ماكانت التكتيكات القاسية. لم يكن من الصعب التمييز بين الإشاعة والحقيقة فقط، بل جرت أيضاً محاولات للقيام بذلك بشكل غير منتظم. بدا أن المصريين الناشطين سياسياً يتحدثون داخل فقاعاتهم الخاصة، وقد عملت تلك الفقاعات على تصفية جميع الأصوات الأكثر حدّة الآتية من المعسكرات الأخرى تقريباً.

وجرى على الفور انتقاد البرلمان الذي لايملك أي سلطة بسبب عدم القيام بشيء. لم يكن من الغريب أن نسمع غير الإسلاميين يطلقون الاتّهامات بأن البرلمان يهتم فقط بخفض سن الزواج.

كان واضحاً أن مثل هذا الاتهام باطل (إحدى الأولويات الرئيسة للبرلمان كانت إصدار قانون أكثر ليبرالية للمنظمات غير الحكومية)، ولكنه فعل فعله. وعندما حُلَّ البرلمان بأمر من المحكمة في حزيران/يونيو 2012 كان الإسلاميون هم الوحيدين الذين نعوه.

استغل الإسلاميون أغلبيتهم في البرلمان، قبل حلّه، لتشكيل الجمعية التأسيسية، وقد فعلوا ذلك مرتين، في الواقع، لأن المحكمة رفضت محاولتهم الأولى. ومن خلال القيام بذلك، شرعوا في اتّباع نمط يظهر مايكفي من ضبط النفس لإقناع أنفسهم بحسن نواياهم.

قدّم الإسلاميون تنازلات حقيقية سواء في تكوين الجمعية أو في عملها، لكن نادراً ماكانت هذه التنازلات كافية لجلب خصومهم إلى صفّهم. ولكي نكون منصفين، ربما كان بمقدور كتلة غير إسلامية قوية ومتماسكة داخل الجمعية التأسيسية انتزاع تنازلات جدّية من جماعة الإخوان المهيمنة والحريصة على إقرار أي دستور. بيد أن التذمّر من المعارضة غير الإسلامية بسبب فُرقتها يقصر عن فهم جزء أساسي من الموضوع. فمن دون تلك الفرقة ربما ماكان في وسع الثورة أن تكون حاسمة جداً. فقد كانت الحقيقة بأن الكثير من القوى التي تدّعي أنها تحمل شعلة الثورة برزت بسرعة خارج القنوات السياسية المألوفة هي التي جعلتها كبيرة جداً في أوائل العام 2011 عندما أسقطت مبارك.

وبالتالي اقتربت مصر من الانتهاء من العملية الانتقالية غير المدروسة بمجموعة متنوّعة من الجهات السياسية الفاعلة التي استخدمت كل ماكان في متناول يدها من أسلحة. اكتشف الإسلاميون أن الانتخابات وحكم الأغلبية كانا يعملان لصالحهم. واكتشفت مؤسّسات الدولة الهامة أن أفضل تكتيكاتها هي التهديد والمداهنة والمساومة لمنع قادة مصر الإسلاميين الجدد من التعدّي على مجال نفوذها. واكتشفت المعارضة أن أفضل خياراتها (والخيار الوحيد أحياناً) هو الشكوى والانتقاد والمقاطعة والتظاهر.

خطأ قاتل؟ انقلاب مرسي

هذه المجموعة من الترتيبات السياسية الهشّة هي التي هاجمها الرئيس محمد مرسي، الذي انتخب في حزيران/يونيو 2012 والمنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، بمطرقة ثقيلة في أواخر تشرين الثاني/نوفمبر وأوائل كانون الأول/ديسمبر بهدف معلن (وربما صادق) يتمثّل في جعلها أكثر استقراراً. كل قراراته خلال تلك الفترة كانت معقولة بعض الشيء. بعضها لم تكن حتى قراراته أساساً. على سبيل المثال، ينسى من يدينون جماعة الإخوان في الاندفاع قدماً في عملية صياغة الدستور وعرضه على الاستفتاء بسهولة أنه حُدِّد الموعد لذلك في آذار/مارس 2011، وأكّده الناخبون المصريون في ذلك الوقت.

ولكن إذا مانظرنا إليها ككل، إذ كانت الخطوات التي قام بها مرسي ترقى إلى كونها تأكيداً مذهلاً لسلطته وهجوماً جريئاً على كثير من القواعد غير المكتوبة (القليل منها مكتوب) للسياسة المصرية، حيث نصّب نفسه ليس بوصفه رئيساً تنفيذياً فقط ولكن أيضاً كمشرّع وحيد يتجاوز الرقابة القضائية. ومهما تكن بعض هذه الخطوات مؤقتة، فلن تتعافى مصر منها بسهولة.

ربما كانت الخطوات مستدامة على نحو أكثر سهولة لو أنها نجمت عن إجماع سياسي واسع، لكن مرسي لم يقم حتى بعملية تمويه مقنعة في اتجاه التشاور مع الطيف السياسي. وخلط بين وضعه كرئيس وكونه جاء من حركة اجتماعية معارضة. فقد ادّعى، بصفته الأولى، أنه يعمل لمصلحة الدولة المصرية. لكنه سمح، بصفته الثانية، لحلفائه في جماعة الإخوان بتعيين أنفسهم كحرس أمن رئاسي، قادر على تفريق مظاهرات والقيام باعتقالات وممارسة البلطجة، كحدّ أدنى، بحق من يشتبه فيه بالتآمر في جريمة التجمع أمام القصر الرئاسي.

إن مايجعل الانقلاب الذي جرى بتحريض من الرئيس مرسي في تشرين الثاني/نوفمبر 2012 غريباً جداً، هو أنه لم يكن ضرورياً حتى بالمعايير القاسية على نحو متزايد للسياسة المصرية. فقد أكّد أن المحاكم والمعارضة كانوا يحاولون إلغاء التقدم الذي أُحرِز خلال الفترة الانتقالية في مصر. وادّعى أنهم لم يكونوا يحاولون حلّ الجمعية التأسيسية فقط، بل سعوا أيضاً إلى إلغاء خطوته الدستورية الأولى الجريئة التي تمثّلت بالتخلّص من الدور الرقابي السياسي للجيش.

كان من شأن حلّ الجمعية التأسيسية في حدّ ذاته أن يؤدّي فقط إلى إطلاق يد مرسي في تشكيل جمعية جديدة بنفسه. وكان يمكن لخطوة مرسي بإلغاء رقابة الجيش أن تكون كارثية، ليس بالنسبة إلى مرسي فقط. ولهذا السبب بالضبط لم يكن من المرجّح أبداً أن تجري محاولة القيام بها، ولم يكن مرجّحاً أكثر أن تنجح.

لو لم يتّخذ مرسي خطوات صارمة لإعادة تأكيد سلطته، لكان من المحتمل أن يحصل هو وحركته على الدستور الذي أرادوه، برفقة معارضة غير فعّالة ومتذمّرة بدلاً من عاصفة الاحتجاج المستَنفَرَة التي قوبلوا بها.

بدلاً من ذلك تحرّك مرسي، وها هي ردود الفعل تبدو مذهلة، إذ تسعى المعارضة وبقدر من النجاح إلى إحياء موجة الاحتجاج الهائلة التي حدثت في كانون الثاني/يناير 2011. ووقعت اشتباكات بين أعضاء النيابة الغاضبين وقوات الأمن أمام مبنى المحكمة العليا. وجرى استفزاز الهيئات القضائية المحافظة كي تُضرِب وتتخلّف عن المشاركة في مراقبة الانتخابات (هي خطوات جرى التهديد بها لكنها لم تتّخذ في عهد مبارك). وأحجمت نسبة كبيرة من الصحافة عن الصدور على نحو غير معهود في يوم احتجاجي. وعاد الجيش إلى الحديث عن تأكيدات غامضة عن حياده جعلت المراقبين يتساءلون عن نواياه الحقيقية. وانتقلت حالة الفوضى حتى إلى الرئاسة نفسها وبصورة لاتنسى مع فرض زيادة الضرائب عند الفجر وإلغائها في المساء.

تبدو حالة الاستقطاب في مصر كاملة، وقد بدأت تصيب المعلّقين، حيث غالباً مايبدو أن النقاش المدني يفشل حتى بين المراقبين الأكثر موضوعية وحيادية. بحيث جرى استبداله بإصرار غاضب على أن الذين لاينظرون إلى الأحداث بطريقة معيّنة قد فقدوا الاتصال مع الواقع والأخلاق أو مع كليهما.

وبالتالي، يحلّ إقرار الدستور المسائل من الناحية النظرية فقط. فقواعد اللعبة السياسية في مصر أصبحت مقنّنة الآن. لكنها تعمل في بيئة يبدو فيها جهاز الدولة منقسماً وتالفاً، والمعارضة معبّأة وغاضبة بشدّة، حتى أن الائتلاف الحاكم يشعر بأنه مضطهد بشدّة، وتظهر جميع الجهات السياسية الفاعلة أن خطابها لايعرف حدوداً. وتهدّد ممارساتها بأن تحذو حذوه.

احتمالات الخلاص

قد تؤدّي حالة الانفعال والغضب التي شهدتها مصر في تشرن الثاني/نوفمبر وكانون الأول/ديسمبر 2012 - إذا كان المصريون أكثر حظاً مما كانوا عليه أخيراً – إلى إيجاد بعض الاحتمالات لإنقاذ وعد الثورة. إذ لم تكن أعمق مشاكل العملية الانتقالية في مصر نتيجة سوء تصرّف الممثلين، على الرغم من أن معظم الجهات الفاعلة أساءت التصرّف. وهي تنبع من بيئة سياسية غير مكتملة مدّت فيها مختلف الجهات الفاعلة أيديها بإلحاح إلى الأدوات الأسهل أو المُتاحة أكثر من سواها.

قد تكون الحوافز مختلفة الآن، أو يمكن قراءتها، وهو الأمر الأهم، بشكل مختلف من جانب الجهات السياسية الفاعلة الرئيسة في مصر. الأهم من ذلك، ربما يدرك الرئيس مرسي أنه يستطيع أن يحكم كرئيس إما فوق جثث معارضيه أو على الرغم من اعتراضهم العنيف. بدا المسار الأول أسهل على مدى الشهر الماضي، ولكن المسار الثاني هو الأكثر احتمالاً لضمان أن يشرف الرئيس على سلطة سياسية تستحق الحكم.

ويمكن أن تدفع الضغوط المتزايدة أيضاً جماعة الإخوان المسلمين إلى تبنّي مقاربة أكثر ميلاً للمصالحة. فالمعارضة معبّأة وواضحة في كلامها، حيث تمكّنت في الاستفتاء من فرض تحدٍّ انتخابي ذي صدقيّة في مواجهة الاسلاميين خلال مهلة قصيرة. وتبحث شرائح من المجتمع المصري الآن خارج معسكر الإسلاميين عن أنصار يدافعون عن قضايا العدالة الاجتماعية. وستجبر الانتخابات البرلمانية المقبلة الإسلاميين على توضيح مافعلوه بالثقة الممنوحة لهم من المواطنين المصريين.

تفخر جماعة الإخوان بأنها مرنة، وكذلك بقدرتها على استخلاص الدروس المؤلمة. فالحركة ليست مضطرّة إلى تغيير جلدها وهي تمضي قدماً، لكنها ستحتاج إلى السماح لمظهرها الخارجي الاجتماعي - الذي لم يكن مرئياً الشهر الماضي بلا شك - بأن يؤثّر في طريقة تفكيرها وسلوكها.

مثل هذا التحوّل لن يحدث بسهولة بالنسبة إلى مرسي والحركة التي أفرزته، ولكن يجب أن يحدث بسرعة إن حدث أصلاً. فهو يستتبع صياغة قانون انتخابي يعكس مخاوف المعارضة، ويحدّ من استخدام السلطة التشريعية المؤقتة، ويعتمد موقفاً أكثر تساهلاً تجاه المعارضة المنظمة، ويظهر الرغبة في تأييد إجراء إصلاح دستوري جدّي (وليس مجرّد إصلاح تجميلي).

مرسي هو الرئيس، وبالتالي فهو يتحّمل العبء الأساسي في قيادة مصر للخروج من صحراء الاستقطاب السياسي. لكن المعارضة في حاجة إلى أن تتعلّم كيف تتصرّف كمعارضة، بمعنى أنه يجب أن يكون لديها هدف واضح وأن تكون لها استراتيجية في استخدام الآليات الديمقراطية المتاحة لها في الدستور الجديد. بادئ ذي بدء، سيكون لزاماً على عناصر المعارضة المختلفة وضع رؤى بديلة واضحة ومعرفة كيفية تقديمها بطريقة تجذب الناخبين.

قد لاتكون هذه مهمّة ميؤوساً منها بسبب الأحداث التي جرت في الشهر الماضي. فقد تطوّر الاعتراض الغاضب – كان ذلك يمثّل بالنسبة لبعض العناصر خيانة لعدم الرغبة في تقبّل نتائج الديمقراطية - تدريجياً إلى إصرار أكثر محدودية بوجوب احترام الشرعية وأنه يجب منح الناخبين خيارات عادلة. ويبدو أن المعارضة تقدّر حقيقة أن اللعبة السياسية غير العادلة ربما لاتزال تستحق المحاولة طالما أنها توفّر بعض فرص التغيير.

ولاتزال اللعبة، سواء كانت غير عادلة تماماً أم لا، تميل في الوقت الحالي في الاتجاه الإسلامي. وهذا لايعني ببساطة أن الإسلاميين يجدون صعوبة في قبول نتائج الديمقراطية، على الرغم من أن البعض هم كذلك بالفعل. بيد أن ثمّة أسباباً مشروعة للقلق للغاية بشأن هيمنة الإسلاميين على النظام. على سبيل المثال، الدستور الجديد يخوّل رئاسة يعرف الإسلاميون أنهم سيحتفظون بها على الأقل حتى العام 2016، ويحمي نظاماً انتخابياً برلمانياً أنتج أغلبية إسلامية قبل عام واحد، ويتيح للأغلبية البرلمانية قدراً كبيراً من حرية التصرّف في تحديد معنى منطوق العديد من أحكامه.

لن تبدأ عملية إنقاذ مصر - ولن تذهب التضحيات التي قدمتها الأمة المصرية سدى – إلا إذا تعلّمت الجهات السياسية الفاعلة الأقوى في البلاد كيف تتنكّر للثمار الممنوعة التي أكلت منها الكثير، وبسخاء، على مدى العام الماضي.

 

http://arabic.carnegieendowment.org/publications/?fa=view&id=50477

مجموعة عبد العزيز قاسم البريدية. للاشتراك أرسل رسالة فارغة إلى: azizkasem2+subscribe@googlegroups.com - أرشيف الرسائل


--
--
لقد تلقيت هذه الرسالة لأنك مشترك في مجموعة عبد العزيز قاسم البريدية.
 
يمكن مراسلة د. عبد العزيز قاسم على البريد الإلكتروني
azizkasem1400@gmail.com
(الردود على رسائل المجموعة قد لا تصل)
 
للاشتراك في هذه المجموعة، أرسل رسالة إلكترونية إلى العنوان التالي ثم قم بالرد على رسالة التأكيد
azizkasem2+subscribe@googlegroups.com
لإلغاء الاشتراك أرسل رسالة إلكترونية إلى العنوان التالي ثم قم بالرد على رسالة التأكيد
azizkasem2+unsubscribe@googlegroups.com
 
لزيارة أرشيف هذه المجموعة إذهب إلى
https://groups.google.com/group/azizkasem2/topics?hl=ar
لزيارة أرشيف المجموعة الأولى إذهب إلى
http://groups.google.com/group/azizkasem/topics?hl=ar
 
---
لقد تلقيت هذه الرسالة لأنك مشترك في المجموعة "مجموعة عبد العزيز قاسم البريدية (2)" من مجموعات Google.
لإلغاء اشتراكك في هذه المجموعة وإيقاف تلقي رسائل إلكترونية منها، أرسِل رسالة إلكترونية إلى azizkasem2+unsubscribe@googlegroups.com.
للمزيد من الخيارات، انتقل إلى https://groups.google.com/groups/opt_out.