1
|
حسن فرحان يرشح عبدالعزيز قاسم لإدارة المناظرات القادمة له في أي قناة يختارها الفارس: لا علم لي بحيلة القناة.. القناة: ما قاله المذيع مسؤوليته ونحن نبرأ منهالمالكي: «وصال» خدعتني.. الشمري يرد: استفز المسلمين.. والغامدي: حسن أكل الطُعم هنيئاً مريئاً | ||
أكرمني قبل قليل الباحث حسن فرحان باتصال هاتفي، وطلب مني أن الموافقة على إدارة أية مناظرة قادمة، لأنه يؤمن بي كمذيع محايد ومهني ، وبعد أن شكرته على حسن ظنه ، أبديت له استعدادي اداراتها مع الشيخ الفارس أو أي ضيف آخر..عبدالعزيز قاسم مكة المكرمة – نعيم تميم الحكيمأعلن الباحث الشرعي حسن فرحان المالكي عن استعداده لمواصلة المناظرة مع الأكاديمي الدكتور إبراهيم الفارس شريطة أن يتم نقلها من قناة وصال لقناة أخرى حددها بالاسم كقناة فور شباب أو دليل أو اقرأ أو الرسالة، مثنيا على الإعلامي الدكتور عبدالعزيز قاسم لإدارة المناظرة، فيما وافق مدير قناة وصال جاسم الشمري على استمرار المناظرة شريطة أن يتم تغيير الموضوع الذي طرح في الحلقات الثلاث الأولى، ورفض الدكتور إبراهيم الفارس التعليق على الموضوع. ووصف الباحث حسن فرحان المالكي قناة وصال في حديثه لـ «الشرق» بأنها قناة مخادعة مضللة، مستشهدا بنشر القناة لإعلانات ترويجية تتهم المالكي بشتمه للصحابة لتأجيج الرأي العام عليه وقال «اتصلت بمدير القناة وطلبت منه إيقاف الإعلان المسيء لي لكنه رفض». حسن المالكي وحول وجهة نظره في تسمية الصحابة قال المالكي «القرآن لم يسمَّ الصحابة وإنما سماهم المتبعين أما حديث «لا تسبوا أصحابي» فهناك حديث آخر أشار فيه الرسول إلى المنافقين بقوله «لا تسبوا أصحابي»، مشيرا إلى ضرورة تسمية الأسماء بأسمائها، وكما وردت في القرآن وهم المتبعون والمهاجرون والأنصار. ورأى المالكي أن عدم التشديد في المسميات سيقود لجمع عقلاء ومعتدلي الشيعة والسنة وجمع كلمتهم، ونحن بحاجة لهذه الالتفافة في هذه الأوقات الحرجة التي يمور فيها العالم بالاضطرابات.وأكد أن مشكلة المتطرفين من الجهتين هو إعطاء التشدد وإعطاء بعض الشخصيات قيمة تجعله فوق التشريع أو جعله مصدر التشريع علما بأن الجميع تحت النص الشرعي وليس فوق النص الشرعي.ودعا المالكي عقلاء الشيعة لضرورة النقد الداخلي لكشف التيارات المتشددة خصوصا أن هناك تيارات متعددة لدى الشيعة، والنقد الداخلي يكشف هذه التيارات ويعريها، مشيرا إلى أن النقد الداخلي عند أهل السنة أكبر وأوسع منه عند الشيعة. ورأى المالكي أن غلاة السلفية لا يستطيعون الظهور في قنوات فضائية غير تابعة لهم لأنهم يريدون إدارة الحوار بانحياز وهو ما وجدته في قناة وصال؛ حيث وجدت أن القناة انحازت ضدي وتبرأت من حياديتها هي والمذيع. وقال «كنت أتمنى من القناة من باب مكارم الأخلاق إعلان أن البرنامج كاميرا خفية لأن ما حدث بعيد عن المهنية الإعلامية والحق، وهو منهج تكفير الطرف الآخر وعدم الاعتراف برأيه»، مشددا على أن هذا المنهج يسبب الفرقة بين أبناء المجتمع والأمة.وبرأ المالكي الدكتور إبراهيم الفارس من تهمة التواطؤ مع القناة وقال «فوجئ مثلي بإيقاف المناظرة وقد استخدمته القناة دون أن يعلم بخديعتي وهو مخدوع مثلي في البرنامج»، مؤكدا أن هذا المنهج غير غريب على قناة تكفر الآخرين وتهدر دماءهم.وأضاف «علينا قبل أن نتحاور مع الشعية أن نتحاور فيما بيننا وكذلك يفعل الشيعة ليكون الحوار عقلانيا ومنطقيا بعيدا عن التشدد والتعصب للرأي». ودافع مدير قناة وصال جاسم الشمري عن منهج القناة، مؤكدا أنهم يسعون للحياد دون التعرض للصحابة رضوان الله عليهم. وقال الشمري «سبب إيقاف البرنامج هو الإساءات المتكررة من قبل الضيف حسن المالكي لبعض الصحابة -رضوان الله عليهم- وهو ما يرفضه أهل السنة إضافة إلى استنكار جمهور القناة عبر ثلاث حلقات استفزاز المالكي لهم بسب بعض الصحابة لذلك طالبنا من مذيع البرنامج إيقاف المناظرة في الحلقة الثالثة». وأشار الشمري إلى وجود سبب ثالث لإيقاف المناظرة هو عدم إتيان الضيف بالجديد فكان يكرر نفس الكلام ونفس المعلومات دون أن يأتي بجديد. وأعلن الشمري أن قناة وصال مستعدة لاستضافة المناظرة من جديد بين الفارس والمالكي شريطة تغيير موضوع الصحابة لأن القناة ترفض أن يظهر أي من ضيوفها لسب بعض الصحابة وهو ما يرفضه المسلمون، فيما رفض تحديد هوية مدير المحاورة وهل سيكون خالد الغامدي أم سيتم استبداله مكتفيا بعبارة «عندما تقرر المناظرة سيكون لكل حادثة حديث». وعن إظهار الإعلان ضد الباحث حسن المالكي قبل الحلقة قال الشمري «عرضنا إعلاناً قلنا فيه إن هناك اتهاماً للمالكي بسب الصحابة ولم نجرمه، هو مجرد اتهام فاتصل بي وقال لي «احذفوا الإعلان فطلبت منه أن يتوقف عن سب بعض الصحابة حتى نحذفه فلم يستجب».وتطرق الشمري لحذف القناة لعبارة مسيئة في اسم الباحث حسن المالكي في شريط القناة بعد ورود اتصال منه يعاتبنا على ما ورد في الشريط فاستجبنا لذلك وحذفنا هذه المشاركة.ودلل الشمري على حيادية القناة وعدم تكفيرها للآخرين باستضافتها لبعض الشيعة في برامجها واتصالاتها، وتبنيها لقضية العرب الأهواز في إيران رغم أن كثيرا منهم ينتمون للطائفة الشيعية. إبراهيم الفارس يذكر أن المناظرة حظيت بمتابعة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي؛ حيث غرد في هاش تاق حسن فرحان 174 متوتراً بمعدل 34 تغريدة في الساعة فيما غرد 359 على هاش تاق قناة وصال بما يعادل 115 تغريدة في الساعة، وحسن فرحان 29 شخصاً بمعدل 6 تغريدات فقط خلال اليوم، ونال هاش تاق إبراهيم الفارس 64 تغريدة فقط ما يعادل 21 تغريدة في الساعة. وغرد في هاش تاق إبراهيم الفارس vsحسن فرحان، 7 آلاف و 501 تغريدة متوتر والتدوينات فيه بشكل يومي تقدر بـ 4 آلاف و365 تغريدة. |
مجموعة عبد العزيز قاسم البريدية. للاشتراك أرسل رسالة فارغة إلى: azizkasem2+subscribe@googlegroups.com - أرشيف الرسائل |
2 |
رياح الإلحاد تهبُّ على البلاد |
خطر، خطر، خطر، عاجل، عاجل، عاجل.. أخاطب بهذه المقالة المسؤولين والعلماء والدعاة والآباء والأمهات والأساتذة والمربين ورجال الفكر والإعلام وكل من عنده ذرة إيمان ونقطة ضمير وبصيص من نور وقطرة من إنسانية. الخطر الداهم علينا ديناً ودولةً ووطناً وشعباً هو ما يتعرض له إسلامنا من تشويه وحرب، أدهاها وأمرّها حرب الإلحاد التي توجَّه إلى شبابنا وفتياتنا سرًّا بخبث لصرفهم عن إيمانهم بربهم - عز وجل - واتباعهم لرسولهم - صلى الله عليه وسلم - وتشكيكهم في كتاب الله واليوم الآخر وما ورد من علم الغيب، وصدقوني أني لا أبالغ فيما أقول بعدما سافرتُ واستمعتُ للشباب، وتأكدتُ بنفسي من أخبار ثُلة من البشر مريضة مشوَّهة عقيدة، ممسوخة ديناً، دنِسة أخلاقاً، دنيئةً أفكاراً، تبث الشّبهات بين الشباب والفتيات عن وجود الله - عز وجل - وربوبيته وألوهيته، وصحة رسالة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ومصداقية القرآن، وهل هو من عند الله؟ وعن البعث والنشور واستحالة ذلك - أعوذ بالله من كل رجسٍ نجسٍ دنسٍ مهلوسٍ. وقد أخبرني بعض الثقات بأنّه كان في جدة نادٍ ليلي دنيء عميل، يبث الإلحاد بين الناشئة، وهو وكرٌ لأناس منكوسي الفطرة، قد باؤوا بغضبٍ من الله، وحدّثني بعض الشباب أنه وُجد في الجلسات الخاصة المشبوهة مَنْ شككه في دينه ومعتقده، وقبل أيام حدثنا أحد الأعيان في مجلس بمدينة الرياض بأنه التقى العام الماضي في رمضان بمكة بشباب من أسرة سعودية مرموقة فوجدهم يسخرون من الدّين، وينكرون البعث، فقال لهم: فلماذا جئتم إذاً إلى مكة في رمضان؟ قالوا: نحن تبع لأسرتنا، سواء سافروا إلى مكة أو دبي أو باريس، ولا نعرف ديناً ولا عقيدةً ولا "خرابيط" ولا كلاماً فاضياً!! وكنت في الخارج للعلاج وإجراء عملية فتعرفتُ على رجل سعودي طاعن في السّن فوق السّبعين، لا يعرف صلاةً ولا زكاةً ولا صياماً ولا حجاً، ويقول بمكرٍ وخبث: أصلاً القرآن من كلام محمد بن عبدالله - يقصد الرسول صلى الله عليه وسلم - وهو ليس بنبي ولا برسول، وإنما هو مصلح وقائد عربي كبير! كبرت كلمة تخرج من فم هذا الأثيم الشِّرير المدحور. ومن طالع وسائل التواصل الاجتماعي يجد هذه الجيفة النّتنة النجسة تفوح ريحتها في مواقع سامّة وأوكارٍ خاوية بها عقارب وحيّات ممن لعنهم الله فأصمّهم وأعمى أبصارهم. والمقصود أنّني أخاطب الدولة والعلماء والدعاة والمفكرين والكتَّاب بل الأمة بأسرها بأن ينتبهوا لهذا الخطر، فدولتنا إسلامية، جمعتنا براية التوحيد "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، وبلادنا مهبط الوحي ومهد الرسالة ومنطلق النور، وقضيتنا الكبرى الإيمان بالله، ورسالتنا للعالم دين الإسلام، وشرفنا وفخرنا المعتقد الصحيح، فإذا تهاونَّا وتكاسلنا وتساهلنا دبَّت إلى دارنا الثعابين لتنهش أجسامنا، وتتقيأ بسمومٍ قاتلة في بيوتنا. أيها الأب، أيتها الأم، أخي الأستاذ، صديقي الداعية، زميلي الكاتب، ابني الشاب، ابنتي الفتاة: أفي الله شك؟ أما كفانا الكتاب المفتوح، وهو الكون، والكتاب المشروح وهو القرآن؟ أما ملأت البراهين والأدلة والشواهد أسماعنا وأبصارنا بوجود الله وبربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته؟ أما صحَّت عندنا البيّنة القاطعة برسالة سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم؟ فلماذا نغفل عن كل غاوٍ آثمٍ حقير، يشككنا في المسلَّمات والقواطع والأصول؛ لينقلب الإنسان بلا إيمان إلى حيوان (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً). اجلس مع أسرتك، حدِّثهم عن الإيمان، قرِّبهم من الله، أغرس في نفوسهم العقيدة الصحيحة. أيها المجتمع المسلم، هيا إلى حملةٍ إيمانية دعوية إعلامية عن الإيمان ومحاربة الإلحاد في المساجد والمدارس والجامعات والصحف والتلفزة ووسائل التواصل الاجتماعي. اللهم إني أنذرت وحذَّرت، اللهم فاشهد. أمانة أضعها في عنق كل مسلم ومسلمة، فمن خان أمانته فحسابه على الله، وموعده العرض الأكبر، وخصيمه علمه، وعدوه لسانه، والشهود عليه جوارحه، وكفى بنفسه عليه حسيباً. تبًّا للحياة بلا إيمان، وسحقاً للعيش بلا عقيدة، ولعنة على كل ملحدٍ كفورٍ خائنٍ عميل مرتزق، قال تعالى: (ونُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ). |
مجموعة عبد العزيز قاسم البريدية. للاشتراك أرسل رسالة فارغة إلى: azizkasem2+subscribe@googlegroups.com - أرشيف الرسائل |
3 |
ماذا ينتظر المملكة بعد «الربيع»؟ خالد الدخيل * |
الأحد ٢٣ ديسمبر ٢٠١٢
إذا كان الربيع العربي تحول بالفعل إلى خط تاريخي فاصل في تاريخ المنطقة، فإن هذا يعني أنه أتى معه بمتغيرات سياسية تقطع مع ما كان قبله، وتؤسس لواقع سياسي جديد في هذه المنطقة. لا يزال هذا الواقع في طور التشكل، ولا أحد يعرف تماماً على ماذا سيستقر، ومتى سيكون هذا الاستقرار، أفي المدى القريب أم البعيد، لكن هذا تحديداً ما يضع الدول العربية جميعاً، تلك التي زارتها عاصفة الربيع أو تلك التي تجنبت العاصفة، أمام مسؤولية الاعتراف بالتغير، ومواجهة متطلباته، بهدف الإمساك بزمام حركة التغير، حتى لا تجد الدولة نفسها أمام واقع لا تملك الكثير من أدوات السيطرة عليه. قارن النموذج المغربي الذي نجح حتى الآن في تفادي العاصفة، مع النموذج السوري الذي غرق في متاهة العاصفة. الإمساك بزمام حركة التغيّر مسؤولية كل الدول العربية من دون استثناء، لكن ما يهمني هنا هو المملكة العربية السعودية، ليس فقط لأنها بلدي، وأمرها يهمني قبل غيرها، وإنما أيضاً لأنها دولة كبيرة ومحورية في العالم العربي، ولأنها بحجمها السياسي والاقتصادي وبتاريخها وقدراتها، من بين الأكثر تأهيلاً للإمساك بحركة التغيّر. فالسعودية عموماً مجتمع متجانس إثنياً ودينياً، وتاريخ نشأة الدولة فيها يعود الى منتصف القرن الـ12هـ/18م، وقامت هذه الدولة بديناميكيات ومفاهيم وأدوات محلية، عربية وإسلامية، وهذا يعني أنها دولة لم تنشأ وفقاً لظروف ومعطيات خارجية، ولا لمصالح أجنبية، وإنما استجابة لمعطيات ومصالح محلية. إلى جانب ذلك، فهي دولة تتمتع باستقرار سياسي عمره أكثر من 80 عاماً منذ تأسيسها الثالث، كما تتمتع حالياً بوضع اقتصادي ومالي مريح، وعلاقاتها الإقليمية والدولية مؤاتية. وبعد كل ذلك كانت القيادة السياسية للمملكة تستشعر دائماً حجم مسؤوليتها أمام هذا الإرث، وما يترتب عليه من مسؤوليات، وما يرتبط به من مصالح.
استطاعت المملكة تجاوز كل العواصف السياسية التي هبت على المنطقة منذ بداية القرن الماضي وحتى الآن، لكن عاصفة «الربيع» تختلف في طبيعتها وحجمها عن كل العواصف السابقة، وهو ما يتطلب مقاربة مختلفة، فالعواصف السابقة كانت جميعها تتعلق بالصراعات الإقليمية وامتداداتها الدولية، أما عاصفة الربيع فمنشأها محلي، وهدفها محلي، وتتعلق حصراً بالعلاقات السياسية المحلية لكل دولة عربية، ولذا فإن أهم المتغيرات التي دشنها هذا الربيع يتعلق بمفهوم الدولة العربية، وطبيعتها، وعلاقتها مع شعبها، وبحقوق هذا الشعب عليها قبل علاقاتها الخارجية. أي أن هذه العاصفة تتعلق في أصلها وفصلها بوضع حدّ للطبيعة السياسية التي كانت عليها هذه الدولة منذ نشأتها الحديثة بعد الحرب العالمية الأولى. تأسست هذه الدولة آنذاك على مبدأ سياسي واحد يختصر أموراً كثيرة، وهو أن علاقة الدولة بالشعب هي علاقة ذات اتجاه واحد، من القيادة للشعب. كان هذا مواتياً في الظروف الاجتماعية والسياسية قبل نصف قرن أو أكثر، ثم جاءت عاصفة الربيع لتعلن تغيّر الظرف، ولتهز هذا المفهوم، وتقول إن صلاحيته السياسية انقضت. لم يعد هناك مفاصلة إن كان ينبغي لهذه العلاقة أن تتغير، فالمفاصلة الآن هي كيف ينبغي لهذا التغير أن يتم، وترجمة ذلك أن الإصلاح قبل الربيع كان مطلباً عربياً، وبعد الربيع صار واقعاً إقليمياً لا يمكن تفاديه، وليس من المصلحة التقليل من شأنه وتداعياته، وإذا كان هدف التغير واحداً، فإن طريقة الوصول إليه ليست واحدة لكل الدول العربية.
ماذا يجب على السعودية أن تفعله في مثل هذا الظرف؟ نجاح المملكة في التعامل مع العواصف السابقة بامتياز يمثل، كما ذكرت، إنجازاً كبيراً، لكنه يرتب عليها مسؤوليات كبيرة، وقبل ذلك يجب أن يكون مصدراً للثقة في قدرتها على الانتقال بمفهوم الدولة مما تأسس عليه في بداية القرن العشرين إلى ما يجب أن يكون عليه الآن، ولعلي أستعين هنا مرة أخرى بما قاله الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن للأديب أمين الريحاني في عشرينات القرن الماضي في الرياض:
«نبني كما كانت أوائلنا تبني ونفعل فوق ما فعلوا»
لا يسمح المجال هنا بتناول كل ملفات الإصلاح، ولا التفصيل فيها، وهي ملفات معروفة لقيادة الدولة، ومحل عنايتها قبل غيرها. الاهتمام بمعالجة الاهتمامات المالية والمعيشية للمواطن خطوة مهمة وملحة، لكن الاقتصار عليها يترك الانطباع بأن الشعب السعودي غير معني بحقوقه السياسية، وتبعاً لذلك فالدولة غير معنية بهذه الحقوق أيضاً، والأمر ليس كما يبدو عليه في الظاهر، لا من الشعب ولا من الحكومة، وبالتالي يجب ألا يكون هذا الاهتمام إلا خطوة أولى تعطي الأولوية لمعالجة القضايا المباشرة والأكثر إلحاحاً، مثل البطالة والسكن ومستوى المعيشة، على أن تعقبها خطوات إصلاحية أخرى تتناول القضايا السياسية، مثل الانتخاب والتمثيل، والفصل بين السلطات، وتفعيل نظام هيئة البيعة، وحرية التعبير، واستقلال القضاء، وجعل الجميع سواسية أمام القانون... إلخ.
تأتي ضرورة الإصلاحات السياسية والدستورية من حقيقة أن الأثر الإيجابي في الناس للإصلاحات الاقتصادية، وبخاصة المالية، عادة ما يكون موقتاً بسبب ارتباطه بظروف اقتصادية واجتماعية متغيرة بطبيعتها، فزيادة الرواتب مثلاً، أو تأمين مشاريع سكنية، أو بدل البطالة، سيتلاشى أثرها في الناس خلال عام على الأكثر، وذلك نظراً لارتباطه بعوامل مثل التضخم، وتغير نمط المعيشة وحاجاتها، والزيادة المضطردة في عدد السكان... إلى غير ذلك. هذا في حين أن الإصلاحات السياسية، وبخاصة منها الإصلاحات الدستورية، يبقى أثرها الإيجابي في الدولة وفي الناس لعقود طويلة، لأنها إصلاحات معنية قبل أي شيء آخر بتعزيز متانة مؤسسات الدولة، وبدعم حال الاستقرار السياسي في المرحلة الحالية التي تمر بها المنطقة وترسيخه، ولعله من الواضح أن الإصلاحات الاقتصادية المترافقة مع إصلاحات سياسية ودستورية هي الخيار الأفضل، لأنها تعزز متانة العلاقة بين الدولة والمجتمع، وتوفر لهما أساساً مؤسساتياً راسخاً، انطلاقاً من حقيقة أن الدولة والشعب هما الطرفان الرئيسيان لمعادلة العملية السياسية في المجتمع.
من الخطوات السياسية المطلوبة معالجة النمو البيروقراطي الكبير الذي عرفته الدولة في العقود الأخيرة، مع بقاء مركزية القرار في الدولة، وأثر ذلك على أداء الحكومة في إدارة الشؤون اليومية للدولة، والخطوة الأخرى تفعيل نظام تدوير النخبة، والتخلص من ظاهرة بقاء أصحاب المناصب العليا، أو البعض منهم، في مناصبهم لعقود من الزمن، وقبل ذلك تفعيل نظام هيئة البيعة لتأمين وتحصين عملية انتقال الحكم على أساس قانوني متين، وهو قانون يحظى في شكله الحالي بالإجماع، وليس هناك أدعى من تحقيق ذلك تحت قيادة الجيل الأول ورعايته، بما يحظى به من سُلطة وهيبة وقبول لدى الجميع، أما الخطوة الثالثة فتتعلق بالبدء على مراحل في توسيع سلطات مجلس الشورى، وتحوله إلى سلطة تشريعية منتخبة، وفي شكل تدريجي أيضاً، وكل ذلك يتطلب تعديلات دستورية، تفتح الباب أمام فصل سلطات الدولة، ودخول المملكة إلى مرحلة دستورية جديدة، تتكامل مع ما سبق، وتنتقل بها إلى متطلبات المرحلة الجديدة.
تشكل الخطوات السابقة الإطار الدستوري والسياسي لخطوات أخرى تكمل الإصلاحات الإدارية والاقتصادية التي بدئ بها، مثل معالجة قضية البطالة، والعمالة الأجنبية، وملف ظاهرة الفساد. إن استشراء هذه الظاهرة تحديداً إلى درجة اضطرت الملك لإنشاء هيئة لمكافحة الفساد يعني أن الدولة أضحت بالنسبة للبعض مغنماً، وإطاراً قانونياً لتحقيق منافع شخصية، وليست مسؤولية قانونية وسياسية وأخلاقية. ثم تأتي أهمية إعطاء الأولوية لمسألة تنويع مصادر الدخل، وذلك لوضع حدّ لحقيقة باتت معروفة للجميع، وهي أنه بعد أكثر من 60 عاماً من عمر النفط، لا تزال هذه المادة تشكل أكثر من 80 في المئة من دخل المملكة القومي، وأصبحنا نتيجة ذلك رهينة لمعادلة غريبة: إيرادات الدولة تتضاعف، بينما إنتاجيتها تتراجع، ومعدلات البطالة فيها ترتفع، والتعليم يقصر كثيراً عن المأمول منه، وأرقام العمالة الأجنبية تتصاعد. باختصار، يمثل تزامن الإصلاح الاقتصادي والسياسي خيار المملكة للتأقلم مع متطلبات المرحلة، واستكمال تطورها، وترسيخ الأسس التي تقوم عليها، ودعم الاستقرار السياسي الذي تتمتع به منذ ثمانية عقود، وهي تستحق كل ذلك، وأكثر.
* كاتب واكاديمي سعودي http://alhayat.com/OpinionsDetails/464873 |
مجموعة عبد العزيز قاسم البريدية. للاشتراك أرسل رسالة فارغة إلى: azizkasem2+subscribe@googlegroups.com - أرشيف الرسائل |
مجموعة عبد العزيز قاسم البريدية. للاشتراك أرسل رسالة فارغة إلى: azizkasem2+subscribe@googlegroups.com - أرشيف الرسائل |
5 |
كيف نطبق الشروط الفقهية على الواقع؟ ابراهيم السكران
|
الحمد لله وبعد،، حين يطالع المرء كتب الفقه فإنه يلاحظ أن أهل العلم يذكرون شروطاً شرعية: للقاضي، والمفتي، وولي الأمر، والشاهد، والوصي، والناظر، ويذكر أهل العلم –أيضاً- مواصفات الزوج الصالح، والزوجة الصالحة، وغير ذلك من الشروط والمواصفات والمؤهلات التي تذكر في كتب العلم في موضوعات كثيرة جداً لها مساس بحياتنا الاجتماعية والسياسية.
حسناً .. ليس البحث هاهنا في (تأصيل) هذه الشروط، بل البحث في المرحلة الثانية بعد التأصيل، وهي مرحلة (التطبيق)، أعني: تطبيق هذه الشروط على الواقع، حيث نلاحظ دوماً أن الواقع لا يفي بكامل المتطلبات والشروط، فيوقع هذا إشكالاً لفريقين:
الطائفة الأولى بعض المتدينين الصادقين الذين يرون في القصور عن بعض الشروط الفقهية نقصاً في الدين، وتقصيراً شرعياً، فيحدث هذا لهم ألواناً من المشاق، ومن أمثلة ذلك الشاب الذي يحرص على العمل بالإسلام في الدول الغربية فتتعذر عليه كثير من التشريعات، ومن أمثلة ذلك أيضاً: أنك تجد فتاة تفكر بالمواصفات التي يذكرها أهل العلم للزوج التقي الصالح، فترفض كثيراً ممن يتقدم لها لأنها تريد تلك الصورة المثالية عن التقوى التي في ذهنها، ثم قد يتسبب ذلك في تقدم عمرها ودخولها مرحلة العنوسة، وتفقد تكوين الأسرة، التي هي من أعظم مقاصد القرآن.
والفريق الثاني هم طائفة من العلمانيين الذين يأخذون الشروط الفقهية المثالية، ويقارنونها بعجز الحركات والتجارب والنماذج الإسلامية عن تطبيقها، فيعيّرونهم بها، ويشوهونهم أمام الناس، وأنهم غير صادقين في تطبيق نموذجهم الإسلامي، ويحاول هؤلاء العلمانيون تمزيق السند الديني الرمزي الذي تتكئ عليه هذه الحركات الإسلامية، وتحكيم الشريعة هو الرأسمال المعنوي لهذه الحركات.
حسناً .. نحن هاهنا بحاجة لعرض مفهوم (تطبيق الشروط الشرعية على الواقع) ونحن نضع أمام ناظرينا هاتين الشريحتين، شريحة المتدين الصادق الذي يتطلب المثال في التطبيق، ويقلق من داخله، ويتألم للعجز عن أي شرط، ويحتار، وتتصدع أحاسيس الانسجام والشرعية في نفسه.
والشريحة الثانية هم طوائف العلمانيين والليبراليين الذين يستغلون المسافة بين الشرط والواقع؛ للتشويه والتنفير، وتأليب الرأي العام ضد الحركات الإسلامية الناشئة التي تحاول الإصلاح قدر الإمكان.
بدايةً .. ما هي صورة الواقع أصلاً في التصور الشرعي؟ دعنا نأخذ هذا التأصيل الكلي العام في واحد من أثمن نصوص ابن تيمية، حيث يقول رحمه الله: (والعدل المحض في كل شيء متعذر، علماً وعملاً، ولكن الأمثل فالأمثل)[ابن تيمية، الفتاوى 10/99].
لاحظ أن كل تفاصيل الشريعة هي تطبيقات للعدل، فالله أمر بالعدل وذكر لنا بعض تفاصيله، ومع ذلك ينبه ابن تيمية إلى أن (العدل المحض) متعذر، وأن الاجتهاد البشري في تحقيق هذا العدل هو الاقتراب قدر الإمكان من هذا المثال.
ماذا يعني هذا التأصيل؟ هذا يعني أنه ليس هناك تعارض أصلاً بين (الدين) و (الواقعية)، فالتصور الديني البحت واقعي أيضاً. ولاحظ –بشكل أدق- أن المفهوم الشرعي المباشر الذي ينظم تطبيق الشروط الفقهية على الواقع هو (قاعدة الأمثل فالأمثل) وهي أحد تجليات الكلي العام وهو: أن الواجب إقامة الشرع بحسب القدرة والإمكان.
يبدو أننا بحاجة لأمثلة تطبيقية، حسناً .. خذ بعض الأمثلة: يذكر أهل العلم شروطاً للولايات والمناصب، ولكن إذا جئنا نطبقها على الواقع فنعتبر الأمثل فالأمثل، قال ابن تيمية (فلهذا يجب على كل ولي أمر أن يستعين بأهل الصدق والعدل، وإذا تعذر ذلك استعان بالأمثل فالأمثل، وإن كان فيه كذب وظلم، فإن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر، وبأقوام لا خلاق لهم، والواجب إنما هو فعل المقدور)[ابن تيمية، الفتاوى، 28/67]
ويذكر أهل العلم شروطاً شرعية لشخصية القاضي، وهي شروط ومواصفات دقيقة وعالية جداً، لكن إذا جئنا نطبقها على الواقع فنعتبر الأمثل فالأمثل، قال ابن تيمية: (وشروط القضاء تعتبر حسب الإمكان، ويجب تولية الأمثل فالأمثل، وعلى هذا يدل كلام أحمد وغيره، فيولى لعدمٍ أنفع الفاسقين، وأقلهما شرا، وأعدل المقلدين، وأعرفهما بالتقليد)[ابن تيمية، الاختيارات، تحقيق د.الخليل، ص 481].
ويذكر أهل العلم شروطاً للشاهد، لكن إذا جئنا نطبقها على الواقع فنعتبر الأمثل فالأمثل، قال ابن تيمية (وشهادة الفاسق مردودة بنص القرآن واتفاق المسلمين، وقد يجيز بعضهم الأمثل فالأمثل من الفساق عند الضرورة، إذا لم يوجد عدول ونحو ذلك)[ابن تيمية، مختصر الفتاوى المصرية، ص 604]
وهكذا –أيضاً- في مسألة الزواج، وتطلب مواصفات الدين والخلق والصفات الرفيعة في الزوج أو الزوجة، فإذا جئنا نطبق هذه المواصفات فنراعي الواقع، ونطبق الشروط والمواصفات حسب الإمكان، على قاعدة الأمثل فالأمثل، قال ابن تيمية: (وكما قلنا في ولاة الأمر من القضاة، وولاة الحرب، والمال، والإمامة، وغيرهم: يولى الأصلح فالأصلح؛ كذلك نقول في تزويج النساء تزوّج بالأمثل فالأمثل ممن يخطبها) [ابن تيمية، قاعدة في العقود المطبوعة باسم نظرية العقد، ص 199].
هذه طائفة من الأمثلة في أبواب فقهية متعددة ينبّه فيها أبو العباس ابن تيمية ببراعة على مفهوم (تطبيق الشروط الفقهية على الواقع).
ونستخلص من هذه الأمثلة أننا عندما نريد تطبيق تطبيق الشروط الفقهية على الواقع فإن العمل الذهني لا يبحث عن (المطابقة) بين الشرط والواقع، بل يبحث عن (التقريب) بين الشرط الفقهي وأقرب النماذج الواقعية له، وهذا يعني أن العمل على (تحكيم الشريعة) هو عمل (واقعي) يدور على مفهوم (الأقرب) لا مفهوم (المطابقة) لأن العدل المحض في كل شيء متعذر علماً وعملاً.
وهذا المفهوم لتطبيق الشروط الفقهية على الواقع نبّه عليه كتاب الله، ومن ذلك قول الله تعالى (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ)[النساء:129]. فلاحظ كيف أكدت الشريعة على وجوب العدل بين الزوجات، وجاء فيه الوعيد الشديد، وفي نفس الوقت ينبه القرآن أن العدل في كل شيء بين الزوجات متعذر، وخارج عن الاستطاعة! فإذا جمع الباحث هذين النصين استخلص أن الشارع نبّه على (عدل مستطاع) و (عدل غير مستطاع) فأمر بالمستطاع وعفا عن غير المستطاع.
وكذلك يجمع الله في مواضع بين الأمر بالعدل والتنبيه على العفو عن العجز وعدم الوسع، كقول الله (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا)[الأنعام:152]
بل إن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- نبّه على أن العمل بالشرع ليس (مطابقة) بل (تقريب قدر الإمكان) بتأصيل شرعي عام، ومن ذلك ما في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (قاربوا وسددوا، واعلموا أنه لن ينجو أحد منكم بعمله)[البخاري 5376، مسلم 2816]. فالنبي يبين أنه العمل البشري لا يمكن أن يطابق المطلوب الإلهي، ولكن يقارب الإنسان ويسدد.
ومع ذلك كله، فيجب اليقظة من التقصير في القدرة والإمكان، فكثيراً ما تتخذ بعض الحركات الإسلامية قرارات مخالفة للشريعة، وتدّعي أن هذا غاية قدرتها وإمكانها، وتكون هذه الدعوى غير دقيقة، بل في الإمكان ما هو خير من ذلك، ويكون الدافع لمثل هذا القرار التوسع الشديد في البراجماتية السياسية للأسف.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه. أبو عمر صفر 1434هـ
|
مجموعة عبد العزيز قاسم البريدية. للاشتراك أرسل رسالة فارغة إلى: azizkasem2+subscribe@googlegroups.com - أرشيف الرسائل |
6 |
كيف كنت أكتب قبل ثلاثين عاماً؟! د . محمد عبدالله العوين |
لقد كافحت وناضلت وبذلت أقصى طاقة نفسية ممكنة كي أتخلص من الكتابة بالقلم! كنت أشتري الأقلام من هذا النوع uni-ball بالدرزن، وكتبت به رسالة الماجستير التي نيفت على ألف صفحة في فن المقالة في الأدب السعودي الحديث، ثم كتبت به أيضاً رسالة الدكتوراه التي زادت على ألفي صفحة عن صورة المرأة في القصة والرواية السعودية، واستدعى هذا الإسراف في التقصي والتحليل وتتبع المصادر السردية أن أفرغ اثنين وسبعين قلما في كتابة هذا البحث، أي أكثر من سبعة كراتين صغيرة، في كل كرتون عشرة أقلام! وطوال الكتابة بالقلم لابد أن يكون الطامس الأبيض الذي أدمنت رائحته وعشقته وأصبحت لا أكاد أستغني عنه، لابد أن يكون قريباً في متناول اليد، فأشطب حرفا أو أحياناً كلمة، أو أحياناً سطراً كاملاً، وأنتظر هنيهة إلى أن يجف ثم أواصل الكتابة، وأكتب على وجه صفحة وأدع وجهها الخلفي من غيركتابة؛ لئلا يصطبغ حبر القلم خلف الصفحة فتتداخل الحروف والكلمات على الطابع الذي سيتولى كتابة البحث من جديد، في مرحلة الماجستيركان بالآلة الكاتبة القديمة التي كان يطبع عليها الطابع بأصابعه العشرة كلها فيما يبدو وبعنف يسمع صوت خبط أصابعه على الكيبورد القديم من يقف عند باب الطابع ذلك المصري الصبور المعتكف على هذه الآلة جزءاً كبيراً من ساعات النهار وشطراً أكبر من ساعات الليل! كان بيت الطابع المتواضع يقع في حي شعبي بالغرابي في آخر شارع البطحاء وقريباً من محلات بيع قطع غيار السيارات، في زقاق ضيق لا تكاد سيارتان تختلفان فيه، فأقف بسيارتي بعيدا، وأجيئه بغنائمي مزهوا بها، وهي حصيلة عمل أسبوع أو أسبوعين أحيانا قد تزيد على أربعين أوخمسين صفحة مجازة ومعدلة ومنقحة بعد قراءتها على المشرف، فلا يخفى صوت ضجيج الآلة الهادر بالأصابع العشرة، وأواصل قرع الباب ولكن لا مجيب فالرجل قد أصمه هذا الهدير فأزيد من القرع وأشتد في القسوة على الباب الحديدي حتى يفزع مذعوراً ويتهادى إلى صوته في تثاقل وانزعاج إن أتيتك يا حامل الأثقال لأفتح لك باب إنجاز ما خطه قلمك اليونبل خلال الأسبوعين الفائتين، وعلي ألا أنسى تنبيهه إلى بعض التعديلات والإضافات والتعليقات في الحواشي، ونصيب كل رقم من الأرقام المتناثرة بين المتن والحاشية! لقد كانت معاناة حقا! فلم نكن وقتها نعلم شيئا عن تلك الطابعة العتيقة ذات الضجيج والأضراس المسننة في الكيبورد القديم بسيقان الأحرف التي تنغرس مع كل ضغطة إصبع قوية في حفرة عميقة من الكيبورد! أما في مرحلة الدكتوراه فقد تقدمت بنا الحياة قليلا، فعلمت عن طابع سوري لطيف سريع الطباعة وبارع في التعامل مع الكمبيوتر، فكنت أغدو إليه في حي الروضة ليالي شتاء وصيف طوال ثلاث سنوات حتى تم طباعة الرسالة مراجعة ومصححة بسلاسة لمسات ناعمة هادئة وسريعة أيضا على أحرف واضحة لطيفة الملمس تسيل معها الكلمات والأسطر في خفة ورشاقة وجمال! ولازمتني عادتي القديمة بعد ذلك، فواصلت الكتابة للصحف بخط يدي، رغم أنني تعلمت على الكمبيوتر ودخلت عالم النت عام 1420هـ بعد أن انتهيت من دراستي؛ ولكنني لم أستسغ كتابة المقالات بالكمبيوتر رغم أنني أكتب به في المنتديات، مقتنعا أن المقال الذي سينشر في الصحيفة يستدعي عناية واهتماما وتجويدا أكثر مما يستدعيه التعليق العابر أو حتى المقال الطويل في أي منتدى باسم رمزي! إنها أيضا غلبة العادة وهيمنتها! فكنت في أول أمري أكتب المقال بخط يدي ثم أنطلق إلى مقر الجزيرة أو الرياض أو اليمامة وأسلم المقال للمخرج أو للصفيف، وأطمئن إلى وصوله، ثم تقدمت بنا الحياة فأراحني الفاكس من هذا المشوار الذي لا بد منه، حتى إذا جاء البريد الالكتروني لم أستطع بادئ الأمر أن أرسل به؛ لا لشيء من الجهل به أو لكراهية متابعة الجديد في عالم التقنية؛ ولكن لمشقة الانفكاك من العادة التي لازمتني سنين طويلة، ولعل رئيس التحرير أستاذنا أبا بشار لا يخفي ابتسامة يشرق بها وجهه السمح وهو يتذكر مقالاتي قبل أربع سنين فقط تأتيه مظروفة موجهة إليه مباشرة، وحين يفتح مظروفها المغلق بإحكام يجد المقال الطويل على ثماني أو عشر صفحات من ورق A4 مكتوبا بخط يدي وبقلمي الأسود الذي لا تخطئه عينه! والآن ها هو هذا المقال بعد سنوات طويلة من مكابدة الانتقال من مرحلة بدائية إلى مرحلة أخرى أكثر تطورا يصل إليكم بنقرات خفيفة ناعمة بإصبعين من أصابعي غير الذهبية لا أستطيع أن أكتب بغيرهما، رغم أن معلماً كبيراً من خبراء عالم الكمبيوتر ظل طوال دورة نيفت على ثلاثة أسابيع عقدتها وزارة الإعلام مشكورة ليخرجني من عادتي البدائية القديمة إلى إتقان الكتابة بالأصابع كلها كما يفعل كل نابه حاذق، فلم يفلح إلا على تطويع إصبعين من أصابعي العشرة أنقر بهما نقراً وكأنني ألتقط حباً منثوراً، وأضيع مرات مواضع بعض الأحرف فتطير الفكرة قبل أن تقع عيني على الدال أو الذال لتطرفهما ونأيهما في أقصى اليمين وأقصى الشمال! هذا المقال الآن يأتيكم منقوراً بعنوانه وفواصله ونقاطه بهذين الإصبعين اللذين يكادان يصابان بالحفاء لكثرة ما أضرب بهما بعنف يزيد حدة مع اشتداد الفكرة وانثيال الكلمات فأسابق تدافع الكلمات المنثالة بالخبط السريع لئلا تفر أو تهرب! ثم أنسخه وألصقه على صفحة الإيميل وأضغط زراً صغيراً فيطير في ثانية إلى مكتب رئيس التحريركما يفعل الماهرون البارعون في فخر وزهو وكأنني أقول محدثا نفسي: لقد تجاوزت بدائية الماضي، وودعت قرويتك البسيطة القديمة تلك وألقيت بها في عالم الماضي الغارب الذي لن يعود! |
مجموعة عبد العزيز قاسم البريدية. للاشتراك أرسل رسالة فارغة إلى: azizkasem2+subscribe@googlegroups.com - أرشيف الرسائل |
|
|
|
مجموعة عبد العزيز قاسم البريدية. للاشتراك أرسل رسالة فارغة إلى: azizkasem2+subscribe@googlegroups.com - أرشيف الرسائل |
لقد تلقيت هذه الرسالة لأنك مشترك في مجموعة عبد العزيز قاسم البريدية.
يمكن مراسلة د. عبد العزيز قاسم على البريد الإلكتروني
azizkasem1400@gmail.com
(الردود على رسائل المجموعة قد لا تصل)
للاشتراك في هذه المجموعة، أرسل رسالة إلكترونية إلى العنوان التالي ثم قم بالرد على رسالة التأكيد
azizkasem2+subscribe@googlegroups.com
لإلغاء الاشتراك أرسل رسالة إلكترونية إلى العنوان التالي ثم قم بالرد على رسالة التأكيد
azizkasem2+unsubscribe@googlegroups.com
لزيارة أرشيف هذه المجموعة إذهب إلى
https://groups.google.com/group/azizkasem2/topics?hl=ar
لزيارة أرشيف المجموعة الأولى إذهب إلى
http://groups.google.com/group/azizkasem/topics?hl=ar
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق