1 |
عين واشنطن على طهران وليس على دمشق! خالد الدخيل |
الأحد ٣ مارس ٢٠١٣ يقوم وزير الخارجية الأميركي الجديد جون كيري هذه الأيام بجولة في المنطقة، وسيكون اليوم الأحد موعد زيارته لكل من الرياض وأبوظبي والدوحة، ومن أبرز الملفات التي تناولها الوزير في جولته هذه ملف الأزمة السورية.لم يأتِ الوزير معه بجديد، لا حول هذا الملف ولا حول الملف الفلسطيني. هل هناك علاقة لهذين الملفين بالموقف الأميركي من الثورة السورية؟ من بين ما كشفته هذه الثورة منذ أيامها الأولى، أن الموقف الأميركي يتسم بنعومة وطول بال استثنائيين مع طرفي ما يعرف في منطقتنا بـ «جبهة الممانعة» إيران وسورية. قارن موقف إدارة أوباما بين الثورات العربية وستجد فروقاً لم تخطر على بال كثيرين، فمثلاً لم تستغرق الثورة المصرية أكثر من 18 يوماً قبل أن تفرض على الرئيس السابق حسني مبارك التنحي عن منصبه، وهو كان من بين أبرز حلفاء واشنطن وأهمهم. بأخذ هذا الأمر في الاعتبار، معطوفاً على عدد الأيام التي لزمت لتنحي مبارك، كان المفترض أن الوقت لم يكن كافياً لأن يتخذ الرئيس أوباما موقفاً يطالب فيه صديق واشنطن بالبدء فوراً بعملية انتقالية. بعبارة أخرى، بعد ستة أيام من بدء الثورة المصرية، وفق صحيفة الـ«واشنطن بوست»، كان الرئيس الأميركي يلمح إلى ضرورة تنحي الرئيس مبارك. في المقابل، كان الموقف الأميركي أكثر بطئاً في الاستجابة لتطورات الثورة السورية، فحتى 12 تموز (يوليو) 2011، أي بعد خمسة أشهر من بداية الثورة السورية، لم يطالب الرئيس أوباما نظيره السوري بالتنحي، على رغم دموية القمع الذي باشرته القوات السورية ضد المتظاهرين منذ اليوم الأول، وعلى رغم أن عدد القتلى في 11 تموز 2011 كان وصل -وفق الأمم المتحدة- إلى 1500 قتيل. السياسة متوحشة أحياناً، وستتضاعف هذه الوحشية مع تضاعف مأساة الأزمة السورية. كيف يمكن تفسير هذا الاختلاف في موقف الإدارة ذاتها من أحداث متشابهة في طبيعتها وفي حجمها وفي أهميتها؟ لا يمكن أن يكون النفط هو العامل الأهم هنا، لأن حجم المخزون النفطي لكل من مصر وسورية متقارب، ولا يمكن أن يقدم تفسيراً مقنعاً. يتضاعف إشكال الموقف الأميركي عندما نلاحظ أن إدارة أوباما وبعد مرور عامين على الثورة ووصول عدد ضحاياها من القتلى فقط إلى أكثر من 70 ألفاً، تتمسك بموقفين متناقضين من الأزمة السورية: اقتناع أوباما بأن تنحي بشار الأسد ضروري للتوصل إلى حلّ للأزمة، وفي الوقت نفسه رفضه -عكس ما يرى أغلب مستشاريه- تزويد الثوار السوريين بما يحتاجونه من أسلحة لحماية أنفسهم وحماية المناطق التي يسيطرون عليها من طائرات الرئيس السوري وصواريخه. مصدر التناقض أن إدارة أوباما تعرف أن النظام السوري نظام أمني ضخم وقاتل ومدجج بكل أنظمة التسليح الممكنة، بما في ذلك الأسلحة الكيماوية، وتعرف الإدارة أيضاً أن هذا النظام يحظى بدعم عسكري ومالي وسياسي من إيران وروسيا، وأنه من دون هذا الدعم لم يكن في إمكان هذا النظام الصمود لعامين حتى الآن في وجه ثورة شعبية وعقوبات وعزلة دولية وإقليمية، وعلى رغم ذلك لا تكتفي إدارة أوباما بعدم تزويد الثوار بالسلاح، بل تحاول منع الآخرين من الذهاب في هذه المهمة بعيداً. لماذا؟ تخشى الإدارة، كما يقال، من أن يصل هذا السلاح إلى أيدي «جبهة النصرة» وغيرها من الجماعات التي يقال إنها مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، وإن هذا الاحتمال يشكّل تهديداً لأميركا ولجهودها في محاربة الإرهاب، وهو موقف يفتقد الحسّ السياسي والإنساني معاً، فإطالة أمد الصراع في سورية وما يتبع ذلك من خطر تحوّله إلى حرب أهلية دينية ستجلب معها الكثير من القتل والدمار ونزف الدم وانتشار المظالم، هو المصدر الأول للإرهاب. أدخلت إدارة بوش الابن السابقة العراق في حرب أهلية طائفية لم تتوقف حتى الآن، وسلمته للنفوذ الإيراني، وفي أعقاب ذلك، ازدادت رقعة الإرهاب ولم تتقلص، ويمكن القول إن الإدارة الحالية ليست في وارد التسليم بنفوذ إيراني أو روسي في سورية، لكن موقفها يشبه ضوءاً أخضر مبطناً للنظام السوري بالمزيد من القتل. لماذا تتخذ الإدارة الأميركية مثل هذا الموقف الملتبس؟ ربما يعبِّر هذا عن حال ارتباك أميركي في ظل أزمة مالية كبيرة في الداخل، وبعد تجربة العراق وأفغانستان، وربما تريد واشنطن أن تستنزف خصومها في الأزمة من دون أن تدفع هي ثمناً لذلك... لكن الموقف الأميركي المتناقض من الأزمة السورية في كل الأحوال ليس جديداً، وهو يتكامل مع الموقف من إيران وملفها النووي. منذ مدة وإدارة أوباما تطالب بمفاوضات مباشرة مع إيران، والأسبوع الماضي استؤنفت المفاوضات النووية بين إيران ومجموعة الـ5+1 في آلما آتا، عاصمة كازاخستان، وللمرة الأولى انتهت هذه الجولة من المفاوضات بمواقف وتصريحات من الطرفين متفائلة بإمكان تحقيق اختراق غير مسبوق. كيف يلتقي الموقف الأميركي من سورية مع موقفها من إيران؟ عين واشنطن في الأزمة السورية كانت ولا تزال على طهران، ولم تكن يوماً على دمشق. يدرك الأميركيون أن طهران هي صاحبة اليد العليا في التحالف السوري الإيراني في منطقة الشام، وأن ذلك لا يعود الى حجم إيران ومواردها النفطية وموقعها وحسب، مقارنة بحجم سورية ومواردها وموقعها أيضاً، وإنما لأن دمشق عندما وثّقت تحالفها مع إيران في عهد الأسد الابن كانت خسرت أوراقها العربية، وباتت تعتمد على الدعم الإيراني، ثم جاءت الثورة وأجهَزَتْ على شرعية النظام، ما دفعه لزيادة اعتماده على طهران. القيادة الإيرانية تدرك من ناحية أخرى -كما بات معروفاً- أن خسارتها النظامَ السوري تمثل ضربة قاضية لها، ولذلك قد تُقْدِم أمام هذا الخطر على عملية انتحارية في الشام، ومن الأفضل بالنسبة للأميركيين، بعد درس العراق، عدم دفع الأمور في هذا الاتجاه. سورية على حدود إسرائيل، وانهيار الدولة فيها سيجبر واشنطن على التدخل مهما كان الثمن، وهنا تتقاطع المصالح الأميركية والإيرانية والإسرائيلية، لكن الثورة هي العامل الذي يجب أن يتكيّف معه الجميع خارج سورية، ووفقاً لمسيرة هذا العامل ووجهته، بات مستقبل النظام السوري -وبخاصة رئيسه بشار الأسد- محسوماً، فمآله السقوط مهما طال الزمن. يشير الموقف الأميركي المتناقض من الأزمة السورية إلى أمور عدة: ترك قيادة الجهود السياسية في الأزمة السورية إلى موسكو، وليس طهران، فموسكو أهم من طهران، وهي قبل ذلك أقل تأثراً بسقوط الرئيس السوري، ولذلك تأمل واشنطن بأن تكون أكثر استعداداً لقبول أن تكون المرحلة الانتقالية من دون الأسد. ويشير الموقف الأميركي أيضاً إلى أن علاقة إيران بسورية ما بعد النظام لا يجب أن تكون محسومة على النحو السلبي الذي يبدو للجميع، كأن تتفاوض واشنطن في شكل غير مباشر مع طهران حول ما يجب أن يكون عليه مستقبل سورية ومستقبل دورها في المنطقة. هل تحاول واشنطن بهذا الموقف من الأزمة السورية طمأنة طهران، وقبلها موسكو، بأن سقوط النظام السوري لا يجب أن يكون خسارة كاملة لكليهما؟ هل تفكر واشنطن بتعويض طهران عن كلٍّ من خسارتها في الشام وتنازلها في ملفها النووي، باعتراف دولي بدورها الإقليمي في منطقة الخليج العربي؟ في هذه الحال: أين السعودية ودول مجلس التعاون ومصر من هذه اللعبة؟ الحياة |
مجموعة عبد العزيز قاسم البريدية. للاشتراك أرسل رسالة فارغة إلى: azizkasem2+subscribe@googlegroups.com - أرشيف الرسائل |
| عن خالد مشعل وحماس! |
بعد أن خرجت من لقاء مطول معه قبل فترة، سألت نفسي: كيف يمكن لزعيم حركة مقاومة أن يكون بكل هذا التفاؤل؟ ومع قضية بالغة التعقيد مثل القضية الفلسطينية، وبعد كل الضرر المترتب على تبعات الموقف من الثورة السورية، وخروج الحركة من دمشق، لكنه أبو الوليد خالد مشعل، الزعيم الفلسطيني الذي يشعرك الحديث معه أنكما على أبواب القدس، وأن شيئا ما لا بد وأن يحدث، ليتحقق هذا الحلم العربي الكبير. لا يريد مشعل أن يخوض كثيرا في الخلافات الداخلية، لم يتحدث بسوء عن الرفاق في غزة، مستقبل الحركة في ظل المتغيرات هو ما كان يؤكد عليه ويوليه أهمية، سألته حينها عن مستقبله بعد ترك رئاسة المكتب السياسي، أكد أن القادم أهم بكثير مما مضى، المنطقة العربية تشهد تغيرات بالغة الأهمية، ومن الواضح أن حماس لن تجد من يغنيها عن علاقات خالد مشعل وقدراته السياسية وكاريزمته، سيظل يعمل بكل طاقته من أجل ترميم البناء الداخلي، والتحرك في الفضاءات الجديدة التي هيأها الربيع، بعد أن خسرت الحركة موقعا مهما في دمشق، نتيجة سوء النظام السوري ورهاناته الغبية. ستظل السنة الأولى من الثورة السورية الأهم والأعقد في تاريخ الحركة، لا ينكر أبو الوليد التسهيلات الكبيرة التي قدمها النظام السوري لحماس قبل الثورة، كانت قيادة حماس تتصرف باستقلالية كاملة في سوريا، ولا يُرفض لها طلب يتعلق بأمور المقاومة وحاجاتها، وخالد مشعل يقدر هذا كثيرا، ولا يراه منة من النظام السوري، بل انعكاسا طبيعيا لموقف الشعب السوري المحب لفلسطين، سألته: بماذا فكرتكم في اللحظات الأولى لاندلاع الثورة السورية؟ بدأنا قبل الاحتجاجات في درعا، أدرك مشعل أن سوريا ليست استثناء في المشهد العربي، وهو يعرف جيدا أوضاع السوريين الداخلية ولا يتدخل فيها، يقول: نصحت الأسد بعد الثورتين التونسية والمصرية على النحو التالي، موقفكم من فلسطين ممتاز في حينه، وسياساتكم الخارجية تحظى بتقدير شعبي داخلي وخارجي، وهذا يسهل الأمر كثيرا، استباق الأمور بإصلاحات داخلية تدريجية كفيل بدرء مخاطر الغضب الشعبي، لكن الأذن التي سمعت هذا الكلام، لم تطرب له، الكبرياء والغرور والأوهام ذاتها في عقل الطبيب الأرعن، لم يدرك بشار الأسد أن خالدا كان له من الناصحين، واختار الانحياز للظلم وتنفيذ السياسات الإيرانية، وستكون نهايته مأساوية على يد السوريين. ماذا عن إيران؟ لماذا اخترتم التحالف معها؟ وماذا جرى بعد الثورة السورية؟ يستنكر أبو الوليد السؤال ويسأل في المقابل: من ذهب للآخر؟ لقد جاءت لنا إيران تعرض دعمها، والمقاوم المحاصر بكل معنى الحصار لا يمكنه رفض الدعم غير المشروط من بلد مسلم يبحث عن دور في المنطقة ويريد مساعدة الفلسطينيين. لكن هذا بشروطه وثمنه! هنا يتحدث مشعل طويلا عن استقلالية الحركة، وأنها تقبل الدعم والمساعدة، لكنها لا يمكن أن ترضخ للشروط، من يريد دعمنا لا بد أن يقبل بموقفنا وقرارنا ورؤيتنا للأمور، وهذا ما حدث بعد الثورة السورية، طلب النظامان السوري والإيراني ثمنا (غير مقبول) على دعمهما السابق، رفضت الحركة وانحازت للحق، خسائر الحركة المالية والسياسية والأمنية لا تعد، لكنها أبت أن تكون مع الباطل، وأن تلمع صورة النظام السوري المجرم في حربه مع شعبه. ثم من قال لك إننا لم نطرق الأبواب العربية، يكمل مشعل حديثه بأسى وعتب على الأنظمة العربية التي راهنت على الأطراف والمواقف الأخرى، هل ما زلتم تفعلون ذلك؟ نعم ولن نتوقف أبدا، نؤمن أن الأنظمة مهما اختارت من مواقف، لا بد وأن تعود للمسار الصحيح، مسار مصلحتها وسيادتها وقضيتها، وليس من أهدافنا معاداة العرب أو الدخول في خلافاتهم، فلسطين قضيتهم وقضيتنا، وأهدافنا واضحة ومعلنة، واليوم كل البلدان العربية التي تغيرت أنظمتها تجعل من دعم القضية الفلسطينية نقطة ارتكاز في سياساتها، وهذا تعبير مباشر عن رأي الشعوب وإيمانهم. تذكرت هذا الحديث القديم مع زعيم حركة حماس خالد مشعل، ورأيت أهمية الإشارة له اليوم، بعد مؤشرات عن إمكانية ثنيه عن عدم الترشح لرئاسة المكتب السياسي، شخصيا لا أؤمن بالزعيم الاستثناء، والشخص الخارق للعادة الذي لا يمكن العمل من دونه، لكن حالة حركة حماس استثنائية أيضا، والظرف الذي تشهده المنطقة دقيق واستثنائي أيضا، هذا ليس وقت العبث والخلافات والصراع، خالد مشعل تراكمت لديه خبرات لا تتوافر لغيره من قيادات الحركة، ولديه سمات شخصية تبعث على الثقة والاحترام عند كثير من الأنظمة والزعماء العرب، وهو الأكثر إدراكا للمتغيرات الإقليمية والدولية من غيره في غزة، ومن هذا المنطلق أرجوه بحق فلسطين أن يبقى، وأرجو أهل غزة وبعض قياداتها العمل على ثنيه عن الابتعاد، هذه ليست لحظة غزة، بل لحظات فلسطين والأمة برمتها. ....... العرب القطرية |
مجموعة عبد العزيز قاسم البريدية. للاشتراك أرسل رسالة فارغة إلى: azizkasem2+subscribe@googlegroups.com - أرشيف الرسائل |
مجموعة عبد العزيز قاسم البريدية. للاشتراك أرسل رسالة فارغة إلى: azizkasem2+subscribe@googlegroups.com - أرشيف الرسائل |
4 |
|
يمتلكني غضب شديد وإحساس بـ"القرف" عندما أسمع البعض يدعو إلى الموضوعية والحياد والنزاهة والمهنية عندما يكون الصراع قائماً بين ظالم ومظلوم، أو بين ضحية وجلاد، أو قاتل ومقتول، أو ثائر وطاغية، أو ذابح ومذبوح، أو جيش مدجج بالسلاح وشعب أعزل، أو بين من يطالب بالحرية والكرامة ومن يدوس الحريات والكرامات. كم أشعر بالاشمئزاز عندما أقابل شخصاً مازال متردداً في اتخاذ موقف صريح لصالح المظلومين والمذبوحين بحجة أن المسألة مازالت ضبابية، وأنه لم يتأكد بعد من هوية الجاني والمجني عليه. ومن الأكثر إزعاجاً أن تجد بعض الإعلاميين الذين يتشدقون بضرورة التعامل بموضوعية ونزاهة مع الثورات العربية ضد الطغاة والقتلة والجزارين؟ هل من الموضوعية أن تعمل على إبراز وجهة نظر الطواغيت والسفاحين والمجرمين وإعطائهم منبراً كي يتقيأ المتحدثون باسمهم والمدافعون عنهم ترهاتهم وأكاذيبهم وحزعبلاتهم الرخيصة على الناس؟ لا أدري لماذا تثور ثائرة بعض المتشدقين بالحيادية والموضوعية عندما تنحاز بعض وسائل الإعلام لجانب الشعوب الثائرة وقضاياها العادلة ضد الظلم والقهر والفقر والاضطهاد؟ هل يعقل أن نطالب تلك الوسائل بأن تكون حيادية ومهنية في معارك أخلاقية عظيمة، الباطل فيها جلي، والحق أجلى؟ لا أدري لماذا ينزعج البعض من مجرد الوقوف إلى جانب المذبوحين بحجة المهنية والموضوعية والحيادية. لماذا يزايدون حتى على أعتى الديمقراطيات الغربية التي لم تتخذ يوماً موقفاً "ديمقراطياً" من أعدائها؟ متى شاهدتم وسيلة إعلام غربية واحدة تحاول إبراز وجهة نظر الخصوم في أوقات الحروب؟ هل كانت وسائل الإعلام الأمريكية "الديمقراطية" مثلاً تبرز وجهة نظر أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة أثناء الغزو الأمريكي لأفغانستان؟ أم أنها كانت تعمل بشتى الطرق على شيطنته وتشويهه في نظر العالم؟ هل سمحت هيئة الإذاعة البريطانية للنازيين أثناء الحرب العالمية الثانية بالتعبير عن وجهة نظرهم "النازية" في خضم المعارك الدائرة بين قوات الحلفاء والمحور؟ طبعاً لا، ومن حقها. ألم تشاهدوا ما أصبح يعرف لاحقاً في الإعلام الغربي بظاهرة "الصحفيون المرافقون" 'EMBEDDED JOURNALISTS"؟ ألم يرافق هؤلاء الصحفيون القوات الغربية في هذا البلد أو ذاك لإبراز وجهة نظرها وحدها دون غيرها وتشويه وجهة نظر الطرف الآخر؟ ألم يكن أولئك الإعلاميون ينظرون إلى الأمور من وجهة نظر محددة لا يمكن أن يحيدوا عنها قيد أنملة، وهم الذين يتشدقون بالديمقراطية وحرية التعبير والتعددية وغيرها من الكليشيهات الديمقراطية الممجوجة؟ طبعاً لا أثني بأي حال من الأحوال على هذه التصرفات الإعلامية القميئة، لكن أسوقها كأمثلة في وجه أولئك الذين يريدون من وسائل الإعلام أن تقف على الحياد في القضايا التي لا تحتاج إلى أخذ ورد، والأسود فيها واضح والأبيض أوضح، كثورات الشعوب العربية ونضالاتها الحالية العظيمة ضد قوى البغي والطغيان المتمثلة بالديكتاتوريات الساقطة والمتساقطة. من الخطأ الشديد أن يتشدق المرء بالموضوعية والحيادية في مثل هذه الأمور. لا حياد في هذه المعارك، وعلى كل من يمتلك ذرة إنسانية أن يختار الجانب الصحيح فوراً دون أدنى تردد، حتى لو كان إعلامياً، فالإعلام ككل المواقف الإنسانية الأخرى يجب أن يصطف مع الخير ضد الشر دون أدنى تلكؤ أو تعلل بالحياد والنزاهة. كل من يتحجج بالموضوعية والحيادية والمهنية في المعارك الأخلاقية الكبرى كثورات الشعوب هو في الجانب الخطأ بقصد أو بغير قصد. كم كان مارتن لوثر كنغ مصيباً عندما قال: إن"أسوأ مكان في الجحيم محجوز لهؤلاء الذين يقفون على الحياد في أوقات المعارك الأخلاقية العظيمة، وأن المصيبة ليست في ظلم الأشرار وإنما في صمت وحياد الأخيار". كم كان أينشتاين محقاً عندما قال:" لا شك أن الأشرار في العالم يشكلون خطراً، إلا أن الخطر الأعظم يكمن في الأخيار الذين يقفون محايدين حيال ذلك الشر". ألا يقولون أيضاً إن الساكت عن الحق شيطان أخرس، فكيف من يقف ضده بحجة الحيادية؟ إن الوقوف على الحياد في معركة بين القوي والضعيف هو وقوف مع القوي المتجبر بالنتيجة. كم هي محقة الإعلامية الأمريكية المشهورة كريتسان أمانبور عندما تقول: "في نقطة ما يكون الوقوف على الحياد تواطؤاً مع المعتدي". ونحن نقول أيضاً إن الوقوف على الحياد في ثورات الشعوب الكبرى ليس حياداً، بل هو موقف سياسي بامتياز يجيّره الطواغيت لصالحهم بحجة أن السكوت علامة الرضا، خاصة أننا نعلم أن الساكت عن الحق شيطان أخرس كما علمتنا ثقافتنا العربية والإسلامية العظيمة. ما أتفه أولئك الذين يكتبون عن فوائد البطيخ ومضار الشيشة على صفحاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي بينما يرون الموت والخراب والدمار من حولهم، بحجة الوقوف على الحياد. الموقف الأخلاقي الحقيقي هو الوقوف مع العدل ضد الظلم الواضح، ومع الحرية ضد الاستبداد البيّن. متى يدرك الواقفون على الحياد أنه لا يوجد قيمة لموقف المحايدين في القضايا الكبرى إلا لصالح الظالمين؟ إنه تواطؤ مقنّع حقير. متى يخجل أتباع "حزب الكنبة" من أنفسهم؟ قال حياد قال! ........ الشرق القطرية |
مجموعة عبد العزيز قاسم البريدية. للاشتراك أرسل رسالة فارغة إلى: azizkasem2+subscribe@googlegroups.com - أرشيف الرسائل |
|
مشاركات وأخبار قصيرة |
العفو الدولية: يجب أن تتوقف السعودية عن لعبة "القط والفأر" مع المتظاهرين السلميين 2013-3-2 | خدمة العصر بقلم: فيليب لوثر/ مدير منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية قالت منظمة العفو الدولية (أمس الجمعة) إن مئات الأشخاص الذين اعتقلوا في المملكة العربية السعودية في أعقاب الاحتجاج ضد حبس أقاربهم من دون تهمة أو محاكمة، يجب أن يتم الإفراج عنهم فورا من دون قيد أو شرط. فقد اعتقل ما لا يقل عن 176 من الرجال والنساء في الساعات الأولى من صباح اليوم (أمس الجمعة) بعد انطلاق مظاهرة سلمية أمام مكتب التحقيق والادعاء العام في بريدة، شمالي مدينة العاصمة الرياض، في محافظة القصيم. وكانوا ينادون بالإفراج عن أكثر من 50 امرأة وطفلا، اعتُقلوا منذ 27 فبراير لمشاركتهم في مظاهرة سلمية أخرى اعتراضا على حبس أقاربهم. ووفقا للتقارير، فإنه تم نقل المعتقلين صباح اليوم (أمس الجمعة) إلى سجن في الطرفية، شرق بريدة، في حين أن أولئك المعتقلين المسجونين منذ 27 فبراير لا يزالون محتجزين في السجن المركزي في بريدة. "لعبة القط والفأر هذه التي تلعبها السلطات في المملكة العربية السعودية، مهينة وشنيعة"، كما صرح "فيليب لوثر"، مدير منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية برنامج. وأضاف مطالبا: "بدلا من اضطهاد المتظاهرين السلميين، على السلطات السعودية الاستماع لمطالبهم والإفراج عن جميع الذين اعتُقلوا لمجرد ممارستهم لحقوقهم الإنسانية". وكان النساء والأطفال المحتجزين منذ 27 فبراير للمطالبة بالإفراج عن أقاربهم، قد سُجنوا من دون تهمة أو محاكمة أو لم يُطلق سراحهم بعد نهاية مدة عقوبتهم. وقد دعت نساء منهن أيضا إلى إقالة وزير الداخلية. ولا تزال إحدى المعتقلات "ريما الجريش" حتى الآن في المستشفى بعد تعرضها للضرب من قبل حارسات حاولن إجبارهن على إزالة ملابسهن لتفتيشها. ووفقا للمعلومات التي تلقتها منظمة العفو الدولية، فإنها فقدت الوعي بعد أن ضُرب رأسها على الحائط، وتعاني حاليا من كسر في الذراع وكدمات على جسدها. وتُحظر الاحتجاجات في المملكة العربية السعودية، كما إن انتقادات الدولة أمر لا يمكن تحمله وغير مسموح. ومع ذلك، فمنذ 2011، تم تنظيم العديد من الاحتجاجات من قبل أقارب المحتجزين من دون تهمة أو محاكمة وبوتيرة متزايدة في البلدات والمدن في جميع أنحاء البلاد. "لا يوجد أي مبرر لفرض حظر، ومنذ فترة طويلة، على المظاهرات في المملكة العربية السعودية، يجب على السلطات أن تحترم الحق في حرية التجمع السلمي والإفراج عن المحتجين فورا ومدون شروط"، كما قال "فيليب لوثر". ويتم حبس أولئك الذين ينتقدون الحكومة، في كثير من الأحيان، بمعزل عن العالم الخارجي من دون تهمة، وأحيانا يُزج بهم في الحبس الانفرادي، ويُحرمون من الاتصال بالمحامين أو اللجوء إلى المحاكم للطعن في قانونية التعذيب أو الحجز التعسفي أو غيرهما من ضروب سوء المعاملة، والتي كثيرا ما تُستخدم لانتزاع "اعترافات" من المعتقلين، لمعاقبتهم على رفض "التوبة" أو إجبارهم على تقديم تعهدات بعدم انتقاد الحكومة. عندما تنشر السلطات الاتهامات في الصحافة، فإنها تشير في بعض الأحيان إلى ارتكاب جرائم غامضة الصياغة، تتضمن تصرفات لا ينبغي أن تُجرم مثل "عصيان ولي الأمر". وغالبا ما يتم منع المتهمين من الاستشارة القانونية، كما لا يتم، في كثير من الحالات، اطلاعهم وعائلاتهم على الإجراءات القانونية المتخذة ضدهم، وغالبا ما تعقد جلسات المحكمة وراء الأبواب المغلقة. ....................... جبهة النصرة تحاصر سجن الرقة استعدادًا لاقتحام وشيك السبت,02 مارس 2013 08:31 م أحرار برس أفادت وسائل إعلامية أن جبهة النصرة الإسلامية قامت مساء اليوم السبت بمحاصرة سجن الرقة المركزي استعدادًا لاقتحامه.وأفادت شبكة "أوغاريت" الإخبارية أن جبهة النصرة الإسلامية وكتائب صواعق الرحمن يحتمون بجدار حائط السجن المركزي بالرقة ولم يبق إلا أمتار ويدخلون أسوار السجن. وكانت جبهة النصرة والجبهة الإسلامية السورية قد أعلنوا صباح اليوم عن بدء عملية "غارة الجبار" لتحرير مدينة الرقة شمالي سوريا من أيدي عصابات الأسد. .................................. تصاعد الرفض بين المصريين بعد توقيع اتفاقية للتعاون السياحي بين القاهرة وطهران ....................................................... سلمان العودة: على السوريين الاستعداد للتحدي الأكبر بعد سقوط النظام02 مارس 2013 اعتبر الدكتور سلمان بن فهد العودة، الأمين العام المساعد لاتحاد العلماء المسلمين، أن التحدي الأكبر بالنسبة للسوريين ليس الانتصار على قوات بشار الأسد، التي ستهزم بإذن الله، وإنما التحدي الأكبر هو فترة ما بعد إسقاط النظام، مشيرا إلى أن حالة الفراغ قد تدفع لمشكلات أكبر. وقال: "إن المشكلة في سوريا ستكون أشد بعد إسقاط النظام؛ لأن الناس خرجوا من نظام مستبد ولم يتدرّبوا على ممارسة العمل السياسي"؛ محذرا من أن حالة الفراغ قد تدفع الجميع لمحاولة شغله بشكل غير مؤسسي، قد يتسبب في مشكلات أكبر. وشدد د. العودة على أن الإخلاص والتجرد لنية الحق أهم أسباب الفوز والظفر قائلا: "إن يعلم الله في قلوبكم أيها السوريون نية الحق ودحر الباطل، وليس البغي ولا العلو في الأرض أو الفساد أو تصفية الحسابات مع أحد. وأكد "أنَّ صدق النيات مدعاة لأن يُعجِّل الله لكم بالنصر، وإلا فقد يتأخر النصر أو يبطئ حتى تصدق هذه النيات". وأشاد العودة بدور دول الخليج القوي في دعم الثورة السورية، مشيراً إلى أن الدول الغربية لا مشكلة لديها فى التخلي عن أي نظام حليف لها وهو ما حصل في عدة تجارب سابقة كأوربا الشرقية والفلبين وإندونيسيا وغيرها والخروج بأقل خسائر ممكنة، مشيرا إلى أن ثورات الربيع العربي كانت بمثابة مفاجأة لهم إلا أنهم تعاملوا معها بذكاء واستفادة من التجارب. وقال: إن "ما يجري في سوريا الآن يعد ضمن هذا الإطار، فاليهود يعلمون تماما أن الرئيس الأسد هو أفضل جار وشريك لهم"، مشيراً إلى أن الأسد أرسل بعض الشباب إلى الجولان لإحداث شغب مع الصهاينة كتهديد لهم بأن أي بديل لكن يكون في صالحهم. وأضاف أنَّ الغرب يرى أيضا ضرورة كسر الطرف الشيعي الذي امتد أكثر مما يستحق"، مشيراً إلى أن "لبنان وسوريا والعراق وإيران سيتأثر وضعها كثيرًا". وأكد أن المسئولين الغربيين يعولون كثيرا على الحكومات المقبلة باعتبارها أكثر شفافية قائلا: " إن عددا من المسئولين الفرنسيين والغربيين يقولون إن المرحلة القادمة في العالم العربي التعامل معها ممكن وإن كان ليس سهلا مثلما كان في عهد الحكومات الديكتاتورية التي تمنحنا ما نشاء". وأشار إلى أنهم سيعتبرون الحكومات المقبلة ممثلة من الشعب وبالتالى فإن التعامل معها سيكون أكثر شفافية كما أن بقاءها أضمن وبالتالي فإن اتفاقيات الغرب معها ستكون أكثر مصداقية. وقال "بالرغم من ازدياد نسبة القتل والإجرام، إلا أن الثورة تمتد حتى وصلت إلى دمشق ولا يكاد يبقى مدينة اليوم إلا وفيها حراك قوي، إضافة إلى تزايد انشقاقات الجيش"، مؤكدًا أن الغرب لن يراهن على بقاء بشار الذى احترق بالنسبة لهم. وطالب فضيلته الجميع باستمرار دعم الشعب السوري، والدعاء، والكلمة الطيبة، في جميع المجالات، ومن بينها "تويتر" أو "فيس بوك" أو المواقع الإلكترونية أو المساجد.
................................................................................................... |
مجموعة عبد العزيز قاسم البريدية. للاشتراك أرسل رسالة فارغة إلى: azizkasem2+subscribe@googlegroups.com - أرشيف الرسائل |
| إنّهُ جسدي !ملاك إبراهيم الجهني |
خصصت الروائية الجزائرية الشهيرة أحلام مستغانمي كتابها (نسيان) لتقديم النصائح لنساء خضن تجارب عشقية انتهت بهن ومن أحببن على مفترق طرق، وحشدت في الكتاب كل ما أمكنها ذكره من وسائل مقترحة للتشافي من فقد عشيق عالقٍ في الذاكرة.. وفي جمعها المستقصي يفاجأ القارئ بعدم انسجام الوسائل مما يشي باضطراب رؤية المؤلفة، ففي حين تقدم نصيحة بعنوان: (صلّي ففي سجود قلبكِ نسيانه) والتي صدرتها بمقولة "من كان الله معه فما فقد أحدا ومن كان الله عليه فما بقي له أحد"، تقترح وسيلة أخرى غامضة وصارخة الرمزية تحت عنوان: (أقصر طريق للنسيان) ألمحت فيها لـ(أم النصائح) والتي صدرتها بعبارة د.ج. ويلز:"إن الحب يهبط على المرأة في لحظة سكون مملوءة بالشك والإعجاب" ألمحت فيها لاكتفاء المرأة بذاتها داعية لاكتشافها على طريقة أرخميدس وملوّحة بكلمات نزار حول خوف الجسد العربي من رؤية نفسه عاريا في المرآة لئلا يقع في اشتهائه ! مستغانمي التي ذكرت في رواياتها بأن الحب (احتياج / اجتياح) والتي تُعلي في الحب من شأن الجسدي على حساب الوجداني حتى إن إحدى بطلات رواياتها مارست الحب بل واقعت الفاحشة مع شخص لا تعرفه بل لا تعرف حتى اسمه، ترى أن هذه النصيحة "ستلغي الضرورة لكل ما جاء في الكتاب الذي وضعته للصابرات والعاقلات من النساء"، كما ذكرت أنها قدمت هذه النصيحة نظرا لواقعيتها وهروبا من اتهام الأخريات لها بإسداء نصائح مثالية، وقلق رؤيتها التي تطرح ثنائية (المثالية/الواقعية) بين الجانبين الروحي بالتعلق بالله والجسدي بالإشباع الذاتي للحاجات الغرائزية هو نموذج للتهجين الثقافي بين ثقافة إسلامية تحتفي بقيم التقوى والعفة والحياء وترفض هذا النوع من الإشباع، وبين ثقافة غربية ترفع شعار الحرية المطلقة والمغرِقة في إشباع حاجات الجسد دون أي ضابط أخلاقي. والتخليط القيمي الذي مارسته مستغانمي ومازالت تمارسه بأشكال متعددة في كتاباتها ما هو إلا صورة شبيهة لصور أخرى من التهجين الثقافي الماثل في محاولة التأليف بين قيم متخالفة ومتناقضة حد التنافر. وما نشهده حاليا من عولمة القيم الغربية يتجاوز التهجين الثقافي إلى (التسوية الثقافية) والتي وصفها طه عبدالرحمن في كتابه (الحق العربي في الاختلاف الفلسفي) بأنها:" تسليط نمط فكري واحد على جميع الثقافات المختلفة بقوة السلطان لا البرهان". وما تدعيه المواثيق المُعولمة للثقافة الغربية من احترام الثقافات الأخرى والسعي للحفاظ على الخصوصيات الثقافية وفقا للفكر الليبرالي المحترم للتعددية الثقافية، تنقضه محاولات فرض القيم الغربية بقوة الإلزام، مما يؤكد مقالة روجيه جارودي في كتابه (نداء جديد إلى الأحياء) حول كراهية الغرب للاختلاف الحضاري وعدم قدرته على تقبل هذا الاختلاف والسعي لإزالته بكل السبل. والحملة التي أطلقتها منظمة العفو الدولية تحت شعار: (إنه جسدي، إنها حقوقي) والتي تدعو لتمكين الشابات والشباب من اتخاذ قراراتهم الخاصة بأجسادهم وحياتهم الجنسية ونادت فيها المنظمة عبر صفحات موقعها الالكتروني بتخليص النساء والفتيات من وصمة العار والتمييز المعارض لمبدأ المساواة والذي ينتهك حقوقهن الجنسية، هذه الحملة تندرج في نفس السياق العولمي الساعي لفرض رؤية للجسد تختلف عن رؤية الثقافات الأخرى له وعلى رأسها الثقافة الإسلامية، ورغم أن مفهوم امتلاك الجسد وحرية التصرف فيه يعود لعصر النهضة الأوروبية بحسب ماذكره دافيد لو بروتون في كتابه: (انثروبولوجيا الجسد والحداثة) بقوله: "مثّل الجسد مع انبثاق مفهوم الفردية في عصر النهضة ملكية"، رغم ذلك فإطلاق العنان لرغبات الجسد وشهواته ذا جذور عميقة في الفكر الغربي، واستنادا لتاريخ الأفكار فالتصور الغربي للجسد توزع بشكل رئيس بين اتجاهين مختلفين ومتناقضين فيما بينهما، ومنذ فلاسفة اليونان والعلاقة بين الجسد والروح قائمة على الثنائية ومترددة بين رؤيتين، إحداهما: تحتقر الجسد كما نُسب لسقراط وأفلاطون، والأخرى تُمجد الجسد كما كان الحال مع فلاسفة الأبيقورية والرواقية.. ولم يترك موقف أرسطو الذي انتقد الثنائية بين الروح والجسد باعتبارهما وجهين لشيء واحد ولا يمكن الفصل بينهما أثرا كبير في الفكر الغربي، وتداولت هاتان الرؤيتان التأثير في الفكر الأوروبي على تفاوت بينهما في سيطرة رؤية وإزاحة أخرى عبر مراحل وسياقات زمنية وثقافية مختلفة، فكانت السيادة في زمن الفلسفة المسيحية للرؤية التي احتقرت الجسد وحاجاته الدنيئة وامتد احتقارها له لاحتقار المرأة مكمن الخطيئة وباعثها، واستمر الأمر كذلك حتى عادت الرؤية الممجدة للجسد فيما بعد لتحتل مكانة مرموقة في لدى فلاسفة العصور الحديثة وأثرت في التصور الغربي الحديث، ودالت السيطرة أخيرا لهذه الرؤية المتمركزة حول الجسد والداعية للإشباع بعيدا عن كل قيد مع نيتشة، وأخيرا مع فوكو الذي اعتبر الأسرة والزواج والمدرسة وآداب السلوك مؤسسات سلطوية تقيد الجسد وتحد من ميله الطبيعي للفوضوية والمتعة والإبداع ورأى في هذا انتصارا للفكر على الجنس، وللثقافة على الطبيعة. ومع بروز هذا التصور لدى الغربيين أصبح الجسد "عامل تفرد يضاعف إشارات التميز ويباهي على طريقة من يروج لشيء" كما يقول دافيد لو بروتون والذي ربط بين بروز هذا التصور وبين تراجع تأثير الدين في صياغة تصورات الإنسان الغربي:" الإنسان الكوني بدأ يستمد التوجه النسبي كليا لتأثيراته على العالم من معتقداته الشخصية، إن الطرق المظلمة للعناية الإلهية لم تعد هي التي تستطيع أن تقرر حياته الخاصة أو حياة مجتمعه فهو يعلم من الآن فصاعدا أنه هو نفسه الذي يصنع قدره ويقرر الشكل والمعنى اللذين يمكن أن يأخذهما المجتمع الذي يعيش فيه إن الانعتاق من الشأن الديني يؤدي إلى وعي المسؤولية الشخصية". وأدى هذا التصور للانقطاع بين الجسد وصاحبه، باعتبار الجسد مجرد ملكية لصاحبه ويختلف عنه، كما يقول ديكارت في التأملات :" سأعتبر نفسي أولا أن لدي وجها ويدين وذراعين، وكل هذه الآلة المؤلفة من عظم ولحم كما تبدو جثة أعطيها اسم الجسد". كما أدى هذا التصور للانقطاع بين الشخص والآخرين، وبعبارة دافيد لو بروتون:"إن جسد الحداثة الجسد الذي نجم عن تراجع التقاليد الشعبية وقدوم الفردية الغربية يدل على الحدود بين شخص وآخر وعلى انغلاق الشخص على ذاته". وباعتبار الجسد ملكية لم تجد المرأة الغربية حرجا في إظهار مفاتن جسدها والتباهي بها انطلاقا من العبارة النسوية الشهيرة: " مادمتِ تملكينه فلماذا لا تباهين به ! ". ونتيجة لهذا التصور أصبح تسليع الجسد واستغلال خدماته بالدعارة وما شابهها أمرا غير مستنكر، بل شكلا من أشكال التصرف الحُر بالملكية الفردية، وظهرت أشكال من الممارسات الجنسية العابرة (الكاجوال) والجنس المتعدد مع أكثر من شريك، وانفصل الجنس عن الحب وتحول لنشاط ترفيهي فارغ من المعنى ولا يختلف كثيرا عن تناول وجبة أو مشروب بدوافع غرائزية بحتة لا تشترط الحضور العاطفي. وبالمقابل فلم يعرف خطاب الوحي في الإسلام الثنائيات المتضادة التي يعاني منها الفكر الغربي بين الروح والجسد، والمثالية والواقعية، والفردية والجماعية، والمرأة والرجل، ففي التردد بين المثالية والواقعية حسم التوجيه النبوي الصراع العملي بينهما بقوله عليه الصلاة والسلام (سددوا وقاربوا)، ولم تكن حاجات الجسد مرذولة بحال بل كانت وسيلة وقربة إلى الله (وفي بضع أحدكم صدقة)، شريطة أن يجعلها المرء في مسارها الشرعي الصحيح ولا يُصبح عبدا لشهواته الجامحة والمتفلتة من كل ضابط ( قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر). فالتصور الإسلامي للجسد-أو الجسم بالاصطلاح القرآني الدقيق- منبثق عن الوحي الإلهي المعصوم والصادر عن عليم حكيم (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير)، وحيٌ محفوظ من التبديل والتحريف ومتسم بخصيصة الثبات فلا تزعزعه أهواء النفس البشرية ولا تبطله تصوراتها المتقلبة والقاصرة، وتصوغه مبادئ متضافرة أبرزها: مبدأ الوسطية في تقدير مكانة الجسد، وإشباع حاجاته الفطرية فلا غلو ولا احتقار، ولا إنكار للواقعية الفطرية ولا سقوط في البهيمية الغرائزية، بل إشباع منضبط لمختلف حاجات الجسد التغذوية والجنسية، ودون انبتات بين الجوانب النفسية والجسدية،كما في قوله سبحانه: (وكلوا واشربوا ولاتسرفوا)، وقوله: (يابني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير)، وقوله: (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم)، وقوله: (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن). ومبدأ المسؤولية، المتمثل في مسؤولية الإنسان عن كل ما يصدر عنه من أقوال وأفعال كما في قوله سبحانه: (كل امرئ بما كسب رهين)، وقوله: (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا)، فهو مسؤول عن حركات جوارحه وعن سلوكه التغذوي أمِن حلال أو حرام، وعن كل ما يضر بجسده أو يؤدي لإتلافه، والسلوك الجنسي ليس سلوكا عابرا بل سلوك مسؤول يتم عبر علاقة محترمة ومسؤولة كما في قوله سبحانه: ( وأخذن منكم ميثاقا غليظا). ومبدأ الحكمة الماثل في عدم التسوية بين قدرات الرجل والمرأة الجسدية، فإباحة تعدد الأزواج للرجل دون المرأة- على سبيل المثال- تستند لحقائق طبيعية تتصل بالتكوين الجسدي للمرأة وتنعكس آثارها على صحة المرأة ذاتها كما تنعكس على المجتمع، فحرية تصرف المرأة بجسدها بناء على امتلاكها له وتصديقها للرسائل التطمينية التي تبثها الدعاية الغربية المضللة للجنس الآمن تصطدم بالهشاشة البيولوجية-الطبيعية- لجسد المرأة كما تقول كاري إل. لوكاس مدير السياسات ونائب الرئيس لمنتدى المرأة المستقلة وعضو الحزب الجمهوري في كتابها (خطايا تحرير المرأة): " يعكس الواقع أن الأمراض المنتقلة جنسيا ليست حيادية تجاه النوعين فالنساء أكثر عرضة لالتقاط الأمراض المنتقلة جنسيا من الرجال الذين يعاشرون النساء فقط..فالمرأة أكثر عرضة لالتقاط فيروسhiv بثماني مرات مقارنة بالرجل ،كما أنها أكثر عرضة بمعدل أربع مرات لالتقاط السيلان من لقاء جنسي واحد مقارنة بالرجل، والنساء أيضا أكثر عرضة للإصابة بتبعات مستدامة للأمراض المنتقلة جنسيا، مثل العقم والسرطان، ومع ذلك فثلث النساء فقط على وعي بمدى هشاشة المرأة بيولوجيا أمام الأمراض المنتقلة جنسيا والتي توجد لها تبعات تفوق المخاطر الجسمانية إذ قد تكون مدمرة نفسيا خاصة للشباب والفتيات ". وهذه الحقائق الواقعية تشهد لتميز التصور الإسلامي للجسد وانسجامه مع العقل والفطرة اللذين يتردد صداهما من وقت لآخر في الغرب رغم ما تعرضت وتتعرض له الفِطر هناك من تشويه اجترحته مفاهيم الحداثة وما بعد الحداثة وعمّقته بسيطرتها الاجتماعية، فكما يقول دافيد لو بروتون:"إن مفهوم الفردية اتجاه مسيطر أكثر مما هو حقيقة جوهرية من حقائق مجتمعاتنا الغربية". وما يحدث بالفعل أن هذا الاتجاه لم يعد يرضى بالسيطرة على المجتمعات الغربية وحسب بل امتدت أذرعته الإعلامية والسياسية والثقافية لمساحات أخرى من العالم في محاولة حثيثة لاستئصال الاختلاف الثقافي بين أمم الأرض، وفرض نموذج ثقافي واحد هو النموذج الغربي بصيغته (الما بعد حداثية) تحديدا والتي أسست كما يرى عبد الوهاب المسيري في (اللغة والمجاز) لنمط العلاقات المنفتحة تماماً كانفتاح النص المابعد حداثي.. والذي انتهى" بإسق |
[الرسالة مقتطعة]
--
لقد تلقيت هذه الرسالة لأنك مشترك في مجموعة عبد العزيز قاسم البريدية.
يمكن مراسلة د. عبد العزيز قاسم على البريد الإلكتروني
azizkasem1400@gmail.com
(الردود على رسائل المجموعة قد لا تصل)
للاشتراك في هذه المجموعة، أرسل رسالة إلكترونية إلى العنوان التالي ثم قم بالرد على رسالة التأكيد
azizkasem2+subscribe@googlegroups.com
لإلغاء الاشتراك أرسل رسالة إلكترونية إلى العنوان التالي ثم قم بالرد على رسالة التأكيد
azizkasem2+unsubscribe@googlegroups.com
لزيارة أرشيف هذه المجموعة إذهب إلى
https://groups.google.com/group/azizkasem2/topics?hl=ar
لزيارة أرشيف المجموعة الأولى إذهب إلى
http://groups.google.com/group/azizkasem/topics?hl=ar
---
لقد تلقيت هذه الرسالة لأنك مشترك في المجموعة "مجموعة عبد العزيز قاسم البريدية (2)" من مجموعات Google.
لإلغاء اشتراكك في هذه المجموعة وإيقاف تلقي رسائل إلكترونية منها، أرسِل رسالة إلكترونية إلى azizkasem2+unsubscribe@googlegroups.com.
للمزيد من الخيارات، انتقل إلى https://groups.google.com/groups/opt_out.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق