1 |
|
الخميس 13 رجب 1434هـ - 23 مايو 2013م دخول حزب الله على خط العمل العسكري المباشر في القصير السورية أثار كثيراً من الجدل السياسي، سواء بين أنصار الحزب أو معارضيه على السواء. كون هذا الولوج يزجّ بلبنان في قلب الأزمة، ويخرجها عن "الحياد"، فضلاً عن أنه تجاوز لمؤسسات الدولة، التي هي في الأساس مترهلة وضعيفة، أضف لذلك ما تفتحه هذه المشاركة من تساؤلات عن مخاطر الاصطدام المذهبي، الذي كان حزب الله يسعى دائماً لتجنبه، فما الذي يجعله الآن يدخل إلى عش الدبابير؟! المؤيدون لـ"المقاومة" يرون أن حزب الله لم يذهب عن طيب خاطر إلى الأراضي السورية، وإنما جاء ذلك دفاعاً عن القرى اللبنانية الحدودية، بعد هجمات متكررة من المسلحين، ومجابهة للقوى الأصولية التي تكاثرت في بلاد الشام، والأهم، لمنع سقوط النظام السوري، خوفاً من قدوم نظام مناوئ لـ"المقاومة"، يوقف عنها خطوط الإمداد بالسلاح والعتاد، وبالتالي فإن هذا التدخل يأتي في سياق العمل "الجهادي" الذي هو من صلب مهام الحزب. معتقدين أن هنالك مؤامرة على سوريا، وصراع محاور شرق أوسطي لابد من حسمه لصالح حلف "الممانعة". التبريرات السابقة قد تكون مقنعة لجمهور اعتاد على السير خلف قيادته بشكل طوعي، مسلماً أمره لها، دون إعمال عقله، معتقداً بصواب رؤيتها، وأنها لا تختار إلا ما فيه المصلحة. إلا أن هنالك شريحة أخرى من داخل البيت ذاته، غير مقتنعة بما ساقه حزب الله من حجج، معتقدة أن أمينه العام السيد حسن نصر الله، كان بإمكانه أن ينحو طريقاً آخر، ويجترح خطاباً وسطياً أكثر مرونة وعقلانية، ينحاز إلى الشعب، دون أن يؤدي ذلك لتقويض أركان الدولة. إلا أن أصحاب هذا الخطاب، يعانون من مشكلة "الصمت"، والخوف من البوح بآرائهم، تجنباً للصدام مع مجتمعهم من جهة، وربما لشعور داخلي بخيبة الأمل، لما يرونه من واقع أصولي مذهبي آخذ في النمو، لا يبشر بولادة مجتمع عربي تعددي ومدني! الصبغة المذهبية ليست متأتية فقط من كون الرئيس السوري سليل الطائفة "العلوية"، أو "تشيع" حزب الله، وإنما عبر دخول المجموعات السلفية الجهادية التي تتوسم العنف وترفع شعارات طائفية متطرفة. إن النقد لسلاح حزب الله في الداخل السوري هو في أساسه انحياز إلى الإنسان الفرد، وهو أيضاً مبني على رفض لـ"عسكرة" الثورة، وإيمان راسخ بأن البندقية لن تقود إلى الحل، وأن لا مخرج من دوامة العنف والخراب، إلا عبر مخرج سياسي، والتفاوض المباشر بين المعارضة السورية والنظام، والدخول في مرحلة انتقالية، تتوقف فيها أعمال القتل، ويعود النازحون إلى مساكنهم، تحضيراً لعملية سياسية شاملة، تنتخب فيها حكومة شعبية، تعمل على المصالحة الوطنية، وإعادة الإعمار. حزب الله كان بإمكانه تجنب "الوحل" السوري، والحفاظ على مكتسباته في وجدان جمهور عربي واسع، لو لعب دور مطفئ الحرائق، وساهم بقوة كوسيط نزيه، معتمداً على ما له من احترام، إلا أنه باصطفافه مع النظام السوري الذي أمعن في القتل استنزف رأسماله الرمزي، وبات طرفاً في الأزمة، ورفع عنه المظلة الإسلامية الواسعة التي كان حاضنة مثلى له، وصمام أمان. مأزق حزب الله في أحد وجوهه أنه يعتبر ما يقوم به رداً للجميل ووقوفاً مع نظام سانده وحماه في حرب تموز 2006، وهو بالتالي يسدّد ديناً عليه للرئيس السوري بشار الأسد، متناسياً أن هذا الدين واجب كذلك تجاه الشعب الذي وقف مع "المقاومة" وأيّدها، وفتح بيوته مستقبلاً اللبنانيين النازحين، مقتسماً معهم الغذاء والملبس والدواء، ورفع صور نصر الله في البيوت والمقاهي، وزيَّن بها زجاج السيارات. إن التراجع عن الخطأ فضيلة، وسيكون من الشجاعة والحكمة أن يعيد حزب الله تموضعه، وينحاز إلى الشعب، ويرجع لرحابة الحضن الإسلامي الأوسع، عوضاً عن ضيق الطائفة، ويسهم في استقرار سوريا، ويعيد بناء شبكة أمان حقيقية بالتعاون والتفاهم مع الدول العربية، عاملاً مع العقلاء من سياسيين وقادة، على تجنيب المنطقة نيران الحروب الطائفية العبثية، لأنه وبكل بساطة: طريق القدس لا تمر عبر دمشق. |
مجموعة عبد العزيز قاسم البريدية. للاشتراك أرسل رسالة فارغة إلى: azizkasem2+subscribe@googlegroups.com - أرشيف الرسائل |
2 |
سفير إسرائيل الأسبق بمصر: الجهاديون حلفاء الإخوان.. وسيناء باتت خطرًا
| |||||||||
http://www.thirdpower.org/index.php?page=read&artid=112436 |
مجموعة عبد العزيز قاسم البريدية. للاشتراك أرسل رسالة فارغة إلى: azizkasem2+subscribe@googlegroups.com - أرشيف الرسائل |
3 |
تبعات الربيع العربي : موازين القوى في الشرق الأوسط...خريطة متغيرة باستمرار فولكر بيرتيس |
أدى اندلاع الانتفاضات العربية إلى تغيير مستمر لموازين القوى في دول الشرق الأوسط وباتت معظم مَواطن القوة والضعف للجهات السياسية الفاعلة مشروطة وغير يقينية ومتوقفة على عوامل أخرى، كما يرى الخبير الألماني فولكر بيرتيس. كان اندلاع ثورات الربيع العربي في أواخر عام 2010 وأوائل عام 2011 سبباً في وضع علاقات القوة بين دول الشرق الأوسط في حالة من التقلب والتغير المستمرين، وظهر على الساحة فائزون وخاسرون. ولكن لأن مواطن القوة ونقاط الضعف لدى أغلب الكيانات الفاعلة مشروطة أو متوقفة على عوامل أخرى إلى حد كبير، فإن موازين القوى الإقليمية لا تزال مائعة للغاية. الوضع المصري يؤثر على المناخ العربي بالنظر إلى الوضع الذي أصبح عليه هذا التوازن الآن، فإن مصر تظل تضطلع بدورها كأحد الكيانات الفاعلة الأعظم تأثيراً في المنطقة، فنجاحها أو فشلها يؤثر في إدارة عملية الانتقال السياسي والاقتصادي بشكل مباشر على الكيفية التي تتطور بها الأمور في دول عربية أخرى. ولكن مصر مثقلة بهموم داخلية، بما في ذلك الاقتصاد المتراجع والوضع الأمني الذي استدعى استخدام المؤسسة العسكرية في أداء مهام الشرطة. وسوف يتوقف توسع قوة مصر الناعمة على قدرة أول حكومة منتخبة ديمقراطياً هناك، بقيادة الرئيس محمد مرسي، على اتخاذ قرارات صعبة وصياغة الإجماع الداخلي وتشكيله. والنجاح في إقامة حكم فعّال كفيل بتأسيس نموذج قد تسعى العديد من الدول المجاورة لمصر إلى محاكاته، ولو جزئياً على الأقل.
تركيا تستند إلى قوة اقتصادها وفي هذا السياق، تشكل تركيا مثالاً جيدا. ذلك أن قوة تركيا تستند في الأساس إلى اقتصادها النشط النابض بالحياة. فاستخدام قوتها العسكرية المثيرة للإعجاب كأداة من أدوات القوة محدود للغاية، كما تبين الآن أن نفوذها السياسي كان مبالغاً في تقديره، وخاصة في سوريا. ومن المؤكد أن تقاربها مع إسرائيل، والأهم من ذلك إقرار السلام الدائم مع سكانها الأكراد، من شأنه أن يعزز من نفوذ تركيا الإقليمي.
وتظل إسرائيل أيضاً فائزة في الإجمال، على الرغم من البيئة الاستراتيجية المتغيرة وافتقارها فعلياً للقوة الناعمة في المنطقة. والواقع أن السقوط الوشيك لعدو إسرائيل الأكثر جدارة بثقتها، الرئيس السوري بشّار الأسد، يثير مخاوف إسرائيل بقدر ما أثارت مخاوفها خسارة حليفها الرئيس المصري السابق حسني مبارك. "السقوط الوشيك لعدو إسرائيل الأكثر جدارة بثقتها، الرئيس السوري بشّار الأسد، يثير مخاوف إسرائيل بقدر ما أثارت مخاوفها خسارة حليفها الرئيس المصري السابق حسني مبارك"، كما يرى الخبير الألماني فولكر بيرتيس. إسرائيل في أمان وقطر تدعم الثورات ولكن الآن وبحكم أن إمكانات إسرائيل الاقتصادية وقدرتها على الردع أصبحت أقوى من أي وقت مضى، فإن أياً من اللاعبين الإقليميين لا يستطيع أن يشكل تهديداً أمنياً حقيقياً لها في الأمد القريب.
ومن ناحية أخرى، أثمرت الآن الجهود الحثيثة التي بذلتها دولة قطر لتوسيع نفوذها على مدى العقدين الماضيين، في ظل قوة الجذب الكبيرة المتنامية التي اكتسبتها البلاد. فمنذ عام 2011، كانت قطر حريصة على تصعيد اضطلاعها بشؤون جيرانها، فدعمت الثورة الليبية، والحكومة المصرية، والمعارضة السورية.
ولكن ربما يبالغ القطريون في تقدير إمكانات أنفسهم. صحيح أن قطر لديها المال، ولكنها لا تملك أياً من عناصر القوة الصارمة الأخرى، كما كانت محل انتقاد بسبب تدخلها في سوريا ودعمها للإخوان المسلمين. وإذا فشلت قطر في استخدام مواردها بحكمة، فربما تفقد الشرعية التي تحتاج إليها لتعزيز دورها كدولة راعية. سوريا تفقد نفوذها ومن ناحية أخرى، تسلط الحرب في سوريا الضوء على ضياع ما كان لها من نفوذ كبير في المنطقة ذات يوم. بل إن سوريا أصبحت اليوم هدفاً لصراع جيوسياسي بين جهات فاعلة إقليمية أخرى. بيد أن الجهود التي تبذلها دول الخليج لتسليح المعارضة السورية لا تكفي لوضع الصراع على مسار نهائي، وخاصة في ظل الأسلحة الثقيلة الموجودة تحت تصرف نظام الأسد. كما عجزت المعارضة عن الاستيلاء لنفسها على ما خسره الأسد من سمعة ونفوذ.
الواقع أن سوريا، بصرف النظر عن توازن القوى بين النظام ومعارضيه، ربما تعجز عن إعادة تأسيس حكومة مركزية قوية قبل مرور عقود من الزمان، إذا كان ذلك وارداً على الإطلاق. وفي أفضل الأحوال، فإن سوريا سوف تخرج من الصراع الحالي بدولة غير مركزية أو فيدرالية؛ أو ربما ما هو أسوأ من ذلك، أن تسلك الدولة الطريق الذي سلكته الصومال. وفي كل الأحوال فإن سوريا حالياً تظل في المعسكر الخاسر بقوة. طائفية المالكي وصعود الأكراد وكان بوسع العراق أن يصبح فائزا، لو تمكن من ترجمة تعافي صناعة النفط لديه وانسحاب القوات الأميركية إلى استقرار سياسي ونفوذ إقليمي. ولكن في ظل حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي التي تعتبر على نطاق واسع مجرد نظام طائفي استبدادي آخر فإن العراق لن يتمكن من اكتساب أي قدر من القوة الناعمة. وعلاوة على ذلك فإن احتمالات تمكن كردستان العراق من إقامة دولة مستقلة بحكم الأمر الواقع أو بحكم القانون أصبحت الآن أعظم من أي وقت مضى. بل وقد يتمكن أكراد العراق من تمديد نفوذهم إلى المناطق المأهولة بسكان أكراد في شمال سوريا، وهو ما من شأنه أن يحولهم إلى قوة إقليمية أكثر تأثيراً حتى من الحكومة العراقية في بغداد. إيران مع السعودية في سفينة النجاة؟ أما إيران المجاورة فتبدو وكأنها الناجي الأساسي الأكثر أهمية. فقد نجحت في التكيف مع العقوبات الخانقة المتزايدة الشدة التي يفرضها عليها المجتمع الدولي، في حين حافظت على برنامجها النووي ولا تزال تشارك في العملية الدبلوماسية مع مجموعة (الخمسة زائد واحد)، وهي الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالإضافة إلى ألمانيا. كما نجحت إيران في تعزيز نفوذها في العراق، وساعدت في الإبقاء على نظام الأسد، حليفها الأساسي، في السلطة لفترة أطول كثيراً مما كان متوقعا.
"أصبح من الصعب للغاية بالنسبة لإيران، ذات الأغلبية الشيعية المهيمنة، أن تكتسب النفوذ في الدول ذات الأغلبية السُنّية. كما يعمل دعم إيران لنظام الأسد الوحشي في سوريا على إلحاق المزيد من الضرر بقوتها الناعمة التي كانت كبيرة ذات يوم في دول عربية أخرى"، كما يرى الخبير الألماني فولكر بيرتيس. لكن ارتفاع حدة الاستقطاب السياسي في المنطقة من شأنه أن يقوض موقف إيران. فمع تعريف الصراعات الإقليمية على نحو متزايد على طول خطوط سُنّية شيعية، أصبح من الصعب للغاية بالنسبة لإيران، ذات الأغلبية الشيعية المهيمنة، أن تكتسب النفوذ في الدول ذات الأغلبية السُنّية. كما يعمل دعم إيران لنظام الأسد الوحشي في سوريا على إلحاق المزيد من الضرر بقوتها الناعمة التي كانت كبيرة ذات يوم في دول عربية أخرى.
وبوسعنا أن نحتسب المملكة العربية السعودية أيضاً بين الناجين، في ظل المحاولات التي تبذلها للتغلب على انعدام الأمن الاستراتيجي العميق النابع من الجهود الإيرانية الرامية إلى تقويض موقفها، والاضطرابات الاجتماعية في جارتها وحليفتها البحرين، وصعود الإخوان المسلمين إلى السلطة في مصر. كما أصبحت المملكة العربية السعودية متشككة على نحو متزايد من حلفائها الأميركيين، الذين تعتمد عليهم البلاد في ضمان أمنها.
وفي الوقت نفسه، تواجه القيادة السعودية تحديات داخلية كبيرة، بما في ذلك التفاوت الاقتصادي الهائل بين الناس، وقصور الخدمات، والإحباط المتنامي إزاء الافتقار إلى الحرية السياسية، وعملية توريث الحكم الصعبة بين أفراد الأسرة المالكة. ولكن برغم تضاؤل القوة الناعمة التي تمتلكها المملكة العربية السعودية، فإن ثروتها الهائلة من النفط من المرجح أن تضمن لها البقاء كقوة إقليمية من الوزن الثقيل.
أقليات تصعد وأخرى تخاف وأيضا، تلعب كيانات فاعلة غير تابعة لدولة بعينها دوراً حاسماً في ميزان القوى في الشرق الأوسط. فقد أصبحت الأقليات الدينية أقل شعوراً بالأمان، في حين يكتسب الأكراد الذين كانوا مقهورين ذات يوم المزيد من الأرض الآن. ومن بين الجماعات السياسية الانتقالية الرئيسية، كانت جماعة الإخوان المسلمين الفائز الأشد وضوحاً حتى الآن.
ولكن النجاح يجلب معه التحديات. ويتعين على الحكومات التي يقودها إسلاميون أن تفي بوعودها وتعهداتها على الجبهة الاجتماعية الاقتصادية، مع العمل على بناء المؤسسات الديمقراطية. ومن عجيب المفارقات هنا أن الإسلاميين لن يتسنى لهم أن ينسبوا لأنفسهم النجاح في بناء دولة أفضل إلا عندما يتقبلون أول هزيمة انتخابية لهم. والواقع أن التحدي الذي يواجه جميع الفائزين في المنطقة حالياً يتلخص في ترجمة مكاسب اليوم إلى قوة جديرة بالمصداقية في الأمد الأبعد. فولكر بيرتيس 2013 http://www.islamdaily.org/ar/general/11585.article.htm |
مجموعة عبد العزيز قاسم البريدية. للاشتراك أرسل رسالة فارغة إلى: azizkasem2+subscribe@googlegroups.com - أرشيف الرسائل |
4 |
اسرائيل تتسلح .. ونحن "نتمرد" ! محمد جمال عرفة |
وافقت الحكومة الصهيونية على زيادة موازنة إسرائيل العامة للعام المالي 2013/2014 بنحو 130 مليار دولار، منها نحو 18 مليار دولار للجيش الصهيوني (أي أكثر من الاحتياطي الاستراتيجي الذي لدي مصر من الدولار حاليا !) ، بعدما كان هذا المبلغ في موازنات سابقة لا يزيد عن 14.6 مليار دولار !!. ما الذي يعنيه ذلك ببساطة ؟ .. يعني أمرين : (الاول) أن الموازنة الصهيونية زادت بدرجة كبيرة بسبب بنود جديدة فيها تتعلق باعتماد الصهاينة عقيدة قتالية جديدة هي التركيز علي الفضاء أو الحرب الالكترونية ،وعبر التوسع في التكنولوجيا والحرب والتجسس الالكترونية بأكثر من إعتمادهم السابق علي سلاح الطائرات ، بعدما أصبح العمق الصهيوني مهددا بصواريخ المقاومة ودول الجوار ولا تستطيع الطائرات وحدها منع ذلك .. فهذه الميزانية كانت عام 2012 لا تتجاوز 54 مليار شيكل (14.6 مليار دولار) وقفزت في الأعوام التالية الي 55 و57 و59 مليارا ، لتصل الي 66.5 مليار شيكل ( 18 مليار دولار) العام المقبل . الامر (الثاني) أن زيادة الموازنة العسكرية معناه الحرب .. نعم الاستعداد لحرب صهيونية مع دول الصحوة أو الثورات العربية .. وطالما أن الجيوش العربية أنهارت وأخرها الجيش السوري ، فالحرب لا يمكن أن تكون إلا ضد مصر ، وهم يستعدون لها بينما لدينا في مصر طابور خامس ينخرس كالسوس في عصا الجيش المصري تارة باسم الثورة والانتقام من حكم العسكر ، وتارة باسم وهم يرفضونه يسمي (أخونة الجيش) !. هذه الاستعدادات للحرب يؤكدها الخبير الاسرائيلي في الشؤون العسكرية "أليكس فيشمان" الذي يقول في مقال لصحيفة يديعوت احرونوت : "إن تجارب الماضي تدلل على احتمال وقوع حروب وعمليات عسكرية، إضافة إلى تحولات سياسية واقتصادية محتملة في السنوات القادمة مع زيادة الموازنة ة" فالجيش الصهيوني طالب بزيادة ميزانيته السنوية بسبب ما قال أنها (مخاطر خارجية) في إشارة إلى الثورات العربية وتصاعد المخاطر الأمنية علي الدولة الصهيونية وبذريعة الاحتياجات الأمنية الدفاعية والهجومية في ظل تزايد مخاطر إطلاق الصواريخ نحو الجبهة الداخلية (العمق الصهيوني) . الملفت في موازنة الأمن الإسرائيلية لعام 2014 – كما يقول زميلنا الدكتور صالح النعامي الخبير في الشئون الاسرائيلية – أنها تخصص موازنات ضخمة لإجراء أبحاث لتوظيف التقنيات المتقدمة والفضاء الإلكتروني في الجهد الحربي... بعبارة أخري يمكن القول أن تل ابيب تسعي لوضع عقيدة قتالية صهيونية جديدة تقوم على الحرب الإلكترونية، في ظل التحول في طابع التحديات التي تواجهها «إسرائيل» في الوقت الحالي ، وذلك بصورة أكبر من استخدام الطائرات المقاتلة التي كانت منذ عام 1967 وحتي الان بعد إمتلاك المقاومة للصواريخ القادرة علي ضرب العمق الصهيوني هي عنصر التفوق الصهيوني بالسيطرة علي الاجواء وتهديد الدول العربية . وأحد الامثلة علي هذه الحرب الإلكترونية، كانت استخدام دودة أوز فيروس stuxnet في مهاجمة اجهزة الطرد المركزي في المنشآت النووية الايرانية عام 2009 ولم يتردد وزير الحرب الإسرائيلي الحالي موشيه يعلون في الاعتراف بأنّ «إسرائيل» هي المسؤولة عن هذه الهجمة الإلكترونية التي تعرّضت لها منظومات الحاسبات الإيرانية الحساسة وذلك عبر استخدام فايروس «Flame». وهناك مثال أخر ذكرته صحيفة " إسرائيل اليوم " عندما قالت أن أقمار التجسس الإسرائيلية تراقب المرافق الحيوية المصرية على مدار 24 ساعة !! هذا التحوّل في العقيدة القتالية للجيش الإسرائيلي عبر توظيف الفضاء الإلكتروني في الجهد الحربي الإسرائيلي سيكون أيضا مفيدا للدولة الصهيونية في القيام بهجمات بدون أثر أو هجمات غير معروف من الذي قام بها لأنها الكترونية بلا هوية ولا يعرف من يقوم بها غالبا . أيضا أقدمت «إسرائيل» على التسلل إلكترونياً إلى منظومات التحكم المسؤولة عن توجيه الدفاعات الجوية السورية عشية الغارة التي نفّذتها الطائرات الإسرائيلية على المنشأة النووية السورية بالقرب من «دير الزور»، شمال شرق سوريا في سبتمبر 2006، وأبطلت عمل هذه المنظومات حتى تقلِّص فرص تعرُّض الطائرات المغيرة لنيران الدفاعات الجوية السورية. واستخدمت تل ابيب نفس الاسلوب في الهجوم علي مجمع اليروموك للسلاح في قلب السودان في نوفمبر الماضي 2012 ، كما قال لي مصطفي عثمان مستشار الرئيس السوداني عبر شل أجهزة الرادادر السودانية بتقنيات حديثة وفي كل هذه الحالات، كان من الصعب تقديم أدلة قطعية تثبت مسؤولية تل أبيب عن تنفيذ مثل هذه الهجمات !. يجب أن نصحو من صراعاتنا الداخلية الاستنزافية مثل "تمرد" أو "مظاهرات 30 يونيه" المشبوهة ، ونتكاتف لتقف مصر علي قدميها ويستطيع جيشنا أن يتصدي لأي "تمرد" اسرائيلي ! |
مجموعة عبد العزيز قاسم البريدية. للاشتراك أرسل رسالة فارغة إلى: azizkasem2+subscribe@googlegroups.com - أرشيف الرسائل |
5 |
مشاركات وأخبار قصيرة
|
طالبة إماراتية ترفض مصافحة وزير خارجية فرنسا خلال زيارة وزير الخارجية الفرنسي "لوران فابيوس" لدولة الإمارات قام بزيارة قصيرة لفرع جامعة السوربون في أبوظبي. وعند الالتقاء بطلاب وطالبات الجامعة، مد الوزير يده لمصافحة أحدى الطالبات ولكنها امتنعت عن مصافحة الوزير الفرنسي بطريقة مهذبة، فما كان من الوزير الفرنسي إلا الابتسام وسحب يده. فابيوس صرح للصحفيين أن بلاده تدين بشدة إطلاق الصواريخ على مدينة بيروت مشددا على ضرورة منع الحريق السوري من الانتقال إلى لبنان ------------------------------------------ للتوقيع على عريضة التماس الافراج عن
وفي حالة الرفض، سيقضي حميدان التركي بقية حياته خلف القضبان رغم انتهاء محكوميته. أن تكون هذه الرسالة الموقعة وسيلة ضغط أمام لجنة الإفراج في جلسة وذلك بتوصية من المختصين. # رابط موقع التوقيع: http://twitition.com/poamu http://www.youtube.com/watch?v=Io8zbpbg0e4&feature=youtu.be #مناشدات: - زوجته سارة الخنيزان: أحبتنا الشرفاء نناشدكم المساندة في التوقيع للمطالبة بالإفراج عن عائلنا وأسيرنا - ابنه تركي: ستستمر حملتنا حتى جلسة الوالد يوم الثلاثاء القادم ونأمل أن نجمع أكبر عدد ممكن من التواقيع((( بلغوا كل من تعرفون ))) - ابنته لمى: نعلق آمالنا بأصغر الأمور ونوقن الفرج وندعوا رب لا يخيب رجاؤنا.. اقتربت جلسة الوالد وفي داخلي شعور انه اخر المشوار. -ابنته نورة: شكرا لكل من اخذ من وقته لينصر والدي. - ابنته أروى: بقي يوم على جلسة والدي، ومازلنا نحتاج تواقيعكم.. هل بامكاننا ان نصل الى ١٠٠ الف موقع قبل الجلسة؟ أنشر عبر تويتر والبريد والواتس أب ولا تؤجل همسه : قال عليه الصلاة والسلام : " الدال على الخير كفاعلة " ، فلا تحرم نفسك واخوانك من الاجر والفائده .. جزى الله خيراً من اعان على نشر هذه الرساله ------------------------------------------
مقطع مؤلم في جوازات جدة انتشر فيديو تم رفعه امس على موقع يوتيوب, و يظهر فيه موظف يضرب مراجعين بجوازات جدة بحزام جلدي , حسبما أفادت المعلومات المصاحبة للفيديو , ويصيح في النساء " يلا يا حريم" . شاهد الفيديو : وقد أثار المقطع ردود افعال غاضبة على شبكات التواصل الإجتماعي, , حيث رفضوا الإهانة التي لحقت بالمواطنين والمقيمين على حد سواء ------------------------------------------
إن الإهاناتِ تَسقطُ على قاذفها قبل أن تصل إلى مرماها البعيد .يقول الشيخ محمد الغزالي : '' ومع أنَّ الطباع الأصلية في النفس دخلاً كبيرًا في أنصبة الناس من الحدّة والهدوء , والعجلة والأناة , والكدر والنَّقاء ؛ إلا أنَّ هناك ارتباطاً مؤكدًا بين ثقة المرء بنفسه , وبين أناته مع الآخرين , وتجاوزه خطئهم .
فالرجلُ العظيم حقًا كلّما حلَّق في آفاق الكمال اتَّسع صدره , وامتدّ حِلمُه , وعَذَرَ الناس من أنفسِهم , والتمسَ المبرِّرات لأغلاطهم . فإذا عدَا عليه غِرٌّ يريدُ تجريحه , نظرَ إليه من قمته كما ينظر الفيلسوف إلى صبيان يعبثون في الطريق , وقد يرمونه بالأحجار .
وقد رأينا الغضبَ يشتطُّ بأصحابه إلى حدِّ الجنونِ عندما تُقْتَحَمُ عليهم نفوسُهم . ويَرون أنهم حُقِّروا تحقيرًا لا يعالجه إلا سفك الدم . أفلو كان الشخصُ يعيش وراءَ أسوار عالية من فضائله , يحسُّ بوخز الألم على هذا النحو الشديد ؟ كلا . إن الإهاناتِ تَسقطُ على قاذفها قبل أن تصل إلى مرماها البعيد .
وهذا المعنى يفسِّر لنا حُلُم هود - عليه السلام - وهو يستمع إلى إجابة قومه بعد ما دعاهم إلى توحيد الله قالوا : { إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ( 66 ) قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ ( 67 ) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ } ( الأعراف 66- 68 ). إنَّ شتائم هؤلاءِ الجُهَّال لم يَطِش لها حُلُم هود - عليه السلام - , لأن الشُّقَّةَ بعيدةٌ بين رجل اصطفاه الله رسولاً , فهو في الذُّؤابة من الخير والبر , وبين قوم سَفِهوا أنفسَهم , وتهاوَوْا على عبادة الأحجار يحسبونها - لغبائهم - تضرُّ وتنفع !! كيف يضيقُ المعلِّم الكبيرُ بِهَرَفِ هذه القطعان ؟! ''
* خلق المسلم ص ( 113 ) طبعة دار القلم بدمشق ------------------------------------------
نساء ورجال في لبنان يشيعون جثمان أحد قادة حزب الله ، والذي قتل في القصير ------------------------------------------
|
مجموعة عبد العزيز قاسم البريدية. للاشتراك أرسل رسالة فارغة إلى: azizkasem2+subscribe@googlegroups.com - أرشيف الرسائل |
6 |
أفول الدولة العربية المعاصرة .. مصر نموذجاً الســـيد يســــين : مجلة الديمقراطية |
![]() 2013/04/22 ندرك تماماً أنه لا يجوز تعميم الحديث عن الدولة العربية المعاصرة، نظراً للتباين الشديد فى طبيعة النظم السياسية السائدة فيها، والاختلافات فى رؤى النخب السياسية الحاكمة، وللفروق الجسيمة فى عدد السكان، وللتنوع الشديد فى الملل والأعراق. وبالرغم من ذلك كله, فإن هناك عوامل أساسية تدعو إلى التعميم على الدولة العربية المعاصرة، ولعل أهمها جميعاً سيادة العولمة بتجلياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. هذه العولمة التى هى العملية التاريخية الكبرى التى غيرت من طبيعة المجتمع العالمى، وأصبحت لها أثار نافذة اخترقت الحدود، ووصلت إلى قلب كل دولة فى العالم متقدمة كانت أو نامية. والتجليات السياسية للعولمة أبرزها ثلاثة: الديموقراطية، والتعددية، واحترام حقوق الإنسان. وأصبحت كل دولة - بما فيها الدولة العربية المعاصرة- مطالبة بالتحول إلى الديموقراطية حتى لو كان نظامها السياسى شمولاً أو سلطوياً. وهذا التحول أخذ طريقه منذ سنوات فى العالم العربى تحت عنوان التحول الديمقراطى بدرجات متفاوتة من السرعة والبطء، وبدرجات مختلفة من الفاعلية والإنجاز، فى ضوء مقاومة واضحة للنخب السياسية العربية الحاكمة للإصلاح، بعد أن تعودوا على ترف الحكم المطلق.
وهذا التحول الديموقراطى يتم بتأثير ضغوط خارجية هائلة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبى والمجتمع المدنى العالمى، وأيضاً نتيجة المطالب المشروعة التى ترفعها جماهير كل دولة عربية بدون استثناء، سعياً وراء الخلاص من ظواهر الانفراد بالسلطة، والاستئثار بالثروة، والقهر السياسى، والظلم الاجتماعى.
وقد أدت ممانعة النخب السياسية الحاكمة فى الوطن العربى طوال عقدى الثمانينيات والتسعينيات إلى اندلاع الثورات فى ثلاث بلاد عربية رئيسية هى تونس ومصر وليبيا، والتى امتد لهيبها إلى بلاد أخرى كالبحرين واليمن وسوريا.
وفى هذه الدراسة الوجيزة ننطلق من فرضية أساسية مبناها أن الدولة العربية المعاصرة -على وجه العموم- دخلت منذ الخمسينيات فى مرحلة أفول مستمرة، ونعنى بذلك التآكل التدريجى فى الشرعية السياسية للنظم السياسية السائدة، وذلك بالرغم من قيام انقلابات فى كل من العراق وليبيا اتخذت شكل الثورات، ولكن تبين مع مرور الزمن أنها كانت مجرد انتقال من نظام سلطوى إلى نظام سلطوى آخر ربما كان أكثر قمعاً، وهو ما أدى إلى انهيار الحكم الديكتاتورى العراقى على يد الهجوم الإجرامى الأمريكى على دولة العراق، بناء على قرار سياسى مضاد للشرعية الدولية، والقضاء على الحكم الديكتاتورى الليبى بناء على ثورة شعبية ساعد على نجاحها تدخل القوى الأجنبية، وعلى رأسها حلف الناتو والولايات المتحدة الأمريكية. ولم تفلت من هذه الدائرة إلا الدولة المصرية لأن الانقلاب العسكرى الذى قام به الضباط الأحرار بقيادة «جمال عبد الناصر» لم يلبث أن تحول إلى ثورة اجتماعية بحكم تأييد ملايين المصريين للمشروع القومى الناصرى، والذى كانت مفرداته الأساسية الاستقلال الوطنى، والحرية السياسية، والعدالة الاجتماعية، والتنمية المستدامة.
ونريد – حتى لا يتشعب بنا الحديث- دراسة حالة مصر على وجه الخصوص. صعود وأفول الدولة المصرية: يمكن القول إن الدولة المصرية مرت بعدة أطوار منذ تأسيسها على يد «محمد على الكبير». وليس هناك مجال للشك أن الدولة المصرية الحديثة بناها بصورة متكاملة «محمد على» (1805-1848) والذى كانت له مطامح دولية كبرى، لكى يجعلها الدولة المحورية فى الشرق الأوسط. غير أن الدول العظمى سرعان ما أحست بخطورة مشروعه على مصالحها الاستراتيجية، وهكذا تكاتفت عليه حتى هزمته وقضت على مشروعه التاريخى الذى كان من شأن نجاحه أن يحول مصر إلى دولة عظمى.
وبعد نهاية حكم «محمد على» حاولت مصر أن تجدد مشروعها الحضارى بعد انتقال الحكم إلى الخديوى «إسماعيل» (1863-1879) غير أن الدولة المصرية لأسباب شتى دخلت مرحلة الأفول فى عهد من خلفوا الخديوى «إسماعيل» من عائلة «محمد على».
إلا أنه يمكن القول إن مصر شهدت صحوة ملحوظة منذ صدور دستور عام 1923 حيث ظهرت ملامح المشروع الليبرالى (1924-1952) والذى شهد – بالرغم من الاحتلال الإنجليزى – بوادر تأسيس ديموقراطية مصرية بالرغم من أنها كانت قصيرة، إلى أن قامت ثورة يوليو 1952 التى مثلت قطيعة تاريخية مع عصر النهضة وبدأت مسيرة المشروع القومى، والذى كانت بعض توجهاته المعادية للتعددية السياسية مضادة للقيم الأساسية للمشروع الليبرالى.
وبعد النهاية الفعلية للمشروع الثورى الناصرى عام 1967، وهو تاريخ الهزيمة الكبرى على يد إسرائيل، ورحيل «جمال عبد الناصر» عام 1970 دخلت الدولة المصرية فى عملية تشويه كبرى فى عهد الرئيس «السادات» الذى أعقبه عصر الرئيس السابق «مبارك»، والذى استمر ثلاثين عاماً كاملة ودفع بالدولة إلى قاع الانحدار الكامل بحكم القمع السياسى والفساد والظلم الاجتماعى.
وهكذا يمكن القول إن دراسة حالة الدولة المصرية تقتضى الإشارة إلى أربعة مشاريع نهضوية وهى: - المشروع الإمبراطورى الذى صاغه ونفذه «محمد على»، المورخون مؤسس مصر الحديثة (1805-1848). - المشروع الحضارى الذى خططه ونفذه الخديوى «إسماعيل» (1863-1879). - المشروع الليبرالى (1924-1952). وهذه المشاريع يمكن اعتبارها مرحلة تأسيس الدولة ويأتى بعد ذلك «المشروع القومى» الذى قادته ثورة يوليو (1952-1970)، والذى يعتبر مرحلة تحديث الدولة.
وعقب ذلك تجئ مرحلة الانهيار التدريجى فى عصر الرئيس «أنور السادات» (1970-1982) وخصوصاً بعد إلغاء الاشتراكية، وبداية سياسة الانفتاح الاقتصادى، وبروز الفجوة الطبقية والتى امتدت وتعمقت فى عصر الرئيس السابق «مبارك» (1982-2011)، حيث ساد القمع السياسى، وشاع الفساد، واتسعت دائرة المظالم الاجتماعية.
وبقيام ثورة 25 يناير التى قضت على نظام «مبارك» بضربة واحدة، كان المأمول إعادة تأسيس الدولة من جديد على هدى شعارات الثورة «عيش، حرية، عدالة اجتماعية» غير أن الأحداث المتلاحقة التى شاركت فيها كل الأطراف السياسية جعلتنا نصل إلى مرحلة تهدد بتفكيك الدولة.
أولاً ــ تأسيس الدولة: تدور مرحلة تأسيس الدولة المصرية حول ثلاثة مشاريع متمايزة، وهى المشروع الإمبراطورى الذى صاغه «محمد على» (1805-1848)، والمشروع الحضارى الذى وضع أسسه الخديوى «إسماعيل» (1863-1879)، وأخيراً المشروع الليبرالى (1924-1952) ،والذى كان ثمرة ثورة 1919، وما تلاها من وضع الدستور المصرى الرائد عام 1923. (أ) المشروع الإمبراطورى: هناك إجماع بين المؤرخين على أن محمد على باشا والى مصر الذى ولد عام 1762 وتوفى عام 1849 هو بانى مصر الحديثة. ويمكن القول بدون أدنى مبالغة أنه بنى مصر الحديثة باعتبارها امبراطورية على غير مثال. وذلك لأنه حين استتب له الأمر فى حكم مصر بعد صراعه الدامى مع خصومه المماليك، وبعد أن حيد مشايخ الأزهر وعلى رأسهم عمر مكرم، الذى رشحه لولاية مصر، صاغ مشروعا متكاملا لتحديث مصر.
ولن نستطيع لضيق المقام أن نرصد التاريخ السياسى «لمحمد على»، ولكننا سنركز حديثنا على الأبعاد المختلفة لمشروعه الامبراطورى، لكى نبين كيف أن هذا الضابط العثمانى الألبانى الأصل، كانت لديه طموحات عظمى لبناء مصر الحديثة، ليس ذلك فقط، بل كانت لديه رؤية إستراتيجية متكاملة، شملت تحديث كل الميادين الاقتصادية والاجتماعية والفكرية وقبل ذلك العسكرية.
ويمكن القول إنه من أكتوبر 1828 وحتى نوفمبر 1831 شرع محمد على فى إجراء سلسلة مترابطة من الترتيبات والإصلاحات شملت البحرية، والجيش، والإدارة، والميزانية، والحسابات، والرى، والزراعة، والصناعة، وذلك على النمط الغربى. وقد مهد محمد على لمشروعه بأن أصدر مجموعة من الأوامر لإخضاع كافة الأراضى المصرية تحت سيطرته.
ويمكن القول أن محمد على قام بثورة زراعية بعد أن أصبحت أراضى مصر فى حوزته بالكامل بعد انتزاعها من أيدى الملتزمين. وقد اعتمد فى تحقيق التنمية الزراعية على مشروع ضخم للرى يقوم على نظام الرى الدائم بدلا من رى الحياض، وبذلك أتاح للأرض أن تزرع ثلاثة مرات فى الدورة الزراعية بدلا من مرة واحدة.
وقد قام «محمد على» بالإضافة للثورة الزراعية بثورة صناعية. فقد أنشأ «محمد على» العديد من المصانع منذ عام 1816، واستقدم الكثير من الخبراء الأجانب والمهندسين الأوروبيين، وأرسل مبعوثين مصريين عديدين لاكتساب المعارف الصناعية من الغرب. كما أنشأ «محمد على» المصانع الحربية التى أنتجت المدافع والبنادق والذخيرة والسيوف والبارود.
وقام «محمد على» بثورة تعليمية كاملة، وذلك لأنه لم يجد فى مصر إلا التعليم الأزهرى التقليدى، ولذلك شرع فى إنشاء مدارس عليا تدرس فيها العلوم الحديثة كالطب والهندسة والصيدلة والزراعة والصناعات الحربية. ولذلك شرع فى عام 1816 فى إنشاء مدارس عالية (المهندسخانة، والطب والألسن، والزراعة). وقد استطاع «محمد على» بذلك أن ينشئ نظاما تعليميا حديثا لمصر لأول مرة، قام أساسا على اكتساب وتحصيل المعارف من منابعها الغربية، واستعان فى ذلك فى بعض القطاعات بأساتذة فرنسيين.
ومن أبرز معالم المشروع التحديثى «لمحمد على» إرساله بعثات متعددة لفرنسا وانجلترا، الغرض منها أن يحصل المبعوثون على شهادات علمية فى تخصصات متعددة أبرزها الطب، والهندسة، والزراعة، والعلوم الحربية، وفنون الطباعة. وقد فطن «محمد على» الى أهمية المطبعة فى نشر المعارف والثقافة فأنشأ مطبعة بولاق عام 1821، وزودها بكل الآلات اللازمة لطبع اللوائح الحكومية، والكتب المترجمة وجريدة الوقائع المصرية.
وكانت أولى البعثات التى أرسلها «محمد على» فى سنة 1809، ثم توالى بعد ذلك إرسال البعثات الى أوروبا بعد عام 1813، وقد بلغ عدد البعثات فى مدة ولاية محمد على 319 طالبا، وكان عدد المبعوثون فى سنة 1836 وحدها 163 .
وقد أصبح هؤلاء المبعوثين بعد عودتهم الى مصر الكوادر العلمية والفنية والثقافية التى قام عليها مشروع محمد على لتحديث مصر. ومن أبرز المبعوثين الى فرنسا الشيخ «رفاعة رافع الطهطاوى» الذى أرسل لكى يكون إماما لإحدى البعثات. وأصبح هو رائد الفكر العربى الحديث، بحكم تحصيله الثقافى العميق، وقيامه بترجمة عدد من أمهات الكتب والمراجع الفرنسية الى العربية.
ونظرا لبروز عبقريته الفذة وثقافته الموسوعية التى استطاع تكوينها فى البعثة، كلفه «محمد على» بتأسيس كلية الألسن لتخريج مجموعات من المترجمين الأكفاء، والذين ترجموا عشرات الكتب فى العلوم والصنائع والفنون المختلفة.
وقام «محمد على» بثورة إدارية كاملة فى مصر. وذلك أنه عندما تولى السلطة فى مصر عام 1805 أنشأ ديوانا مماثلا للديوان الذى كان قد أنشأه نابليون بونابرت الذى قاد الحملة الفرنسية على مصر وأطلق عليه ديوان «الوالى»، «وجعل اختصاصه ضبط المدينة وربطها، والفصل فى المنازعات بين الأهالى والأجانب على السواء.
وتغير اسم هذا الديوان من بعد، وأصبح اسمه «الديوان الخديوى» وتفرعت عنه إدارات متعددة. وفى الثلاثينيات من القرن التاسع عشر أصدر «محمد على» قانون (السياستنامة) أو قانون السياسة الملكية. ويعتبر هذا القانون هو التشكيل الأساسى للحكومة فى عصر «محمد على». وفى ضوء هذا القانون أنشئت سبعة دواوين هى: 1- الديوان العالى (النظر فى مسائل الأوقاف والقوافل والرى والبريد، والتجارة). 2- ديوان أمور افرنكية (الفصل فى المعاملات بين الأهالى والأجانب). 3- ديوان الجهادية (اختص بأمور الجيش). 4- ديوان المدارس ( شئون التعليم والمدارس والمكتبات). 5- ديوان كافة الإيرادات (يختص بايرادات الدولة ومواردها). 6- ديوان البحر (شئون البحرية والأسطول). 7- ديوان الفاوريقات (شئون المصانع والمعامل). وهذه الدواوين كانت الإرهاصات الأولى للنظام الوزارى فى مصر، كما يمكن القول إن (مجلس المشورة) الذى أنشئ فى وقت مصاحب لإنشاء هذه الدواوين كان صورة بسيطة لمجلس الوزراء، فقد عقدت عضوية هذا المجلس لمديرى الدواوين السبعة.
ما سبق كان عرضا للملامح العريضة للمشروع الامبراطورى الذى أسسه «محمد على» باشا، والذى كان صاحب عبقرية متفردة، وامتلك رؤية إستراتيجية لتحديث مصر .
(ب) المشروع الحضارى ــ عصر الخديوى «إسماعيل» ــ (1863-1879): إذا كان محمد على باشا والى مصر هو بإجماع المؤرخين بانى مصر الحديثة، فإن الخديوى إسماعيل (1863 – 1879) يعتبر صاحب مشروع حضارى متكامل، أراد منه تحديث مصر ليس فى مجال البنية التحتية فقط محتذياً فى ذلك خطوط التحضر الفرنسية، ولكن أيضاً فى مجال تحديث البناء السياسى. وإذا شهدت مصر فى عهده أول تجربة نيابية، فقد أمر بتشكيل مجلس شورى النواب، وأصدر المرسوم الخديوى فى نوفمبر 1866 بتكوين المجلس، وتضمن المرسوم قانونين: الأول هو قانون اللائحة الأساسية، والثانى هو قانون اللائحة النظامية.
وقد اختلف المؤرخون فى مجال تقييم الخديوى إسماعيل وإنجازاته، إذ رأى البعض أن مشروعه الحضارى لتحديث مصر لا يقل عن مشروع جده محمد على، وهو تأسيس الدولة الحديثة فى مصر، وذلك لأن مصر شهدت فى عهده فترة زاهية من فترات تاريخها الحديث، وأصبحت مدينة القاهرة عاصمة البلاد عاصمة جديدة، تختلف عن قاهرة العصور الوسطى المتخلفة. ويقدر هؤلاء أيضاً جهوده لتأكيد سيادة مصر واستقلالها فى مواجهة الدولة العثمانية والامتيازات الأجنبية، بالرغم من أن مصر كانت مستهدفة من الدول الأوروبية.
غير أن فريقاً آخر من المؤرخين لا يرى فى فترة حكمه سوى سلبيات متعددة، باعتبار أن حكمه كان مليئاً بالمساوئ التى سهلت للدول الاستعمارية التدخل فى شئون مصر، وذلك لأن سياساته أدت فى النهاية إلى فقدان مصر لاستقلالها الاقتصادى والسياسى.
وفى تقديرنا أنه من باب الموضوعية العلمية لا يجوز تجاهل إيجابيات أى مشروع، ومن الضرورى وضعه فى سياقه التاريخى، لكى نقدر نوع الضغوط الدولية التى مورست عليه، بالإضافة إلى التحديات الداخلية.
ويمكن القول إن الملامح الأساسية للمشروع الحضارى للخديوى «إسماعيل» هى: «أولاً: التقدم بمصر فى طريق المدنية الحديثة بكل صورها وأشكالها. يرتبط بذلك ترقية شئون الزراعة والتجارة والصناعة والإدارة والصحة والتعليم والجيش والأسطول. ثانياً: النهوض بمصر إلى مصاف الدول العظمى. ثالثاً: الفوز لمصر بالاستقلال السياسى». (جـ ) المشروع الليبرالى: (1924-1952) : لا نكون مغالين لو قلنا إن المشروع الليبرالى بدأ بثورة 1919، وانتهى بقيام ثورة يوليو 1952، ولعل أبرز لحظة تاريخية فى هذا المشروع هى إصدار دستور عام 1923.
ويمكن القول إن إصدار دستور عام 1923 هو البداية الرمزية للمشروع الليبرالى. وقد بدأت عملية وضع الدستور فى عهد الملك فؤاد بعد تصريح 28 فبراير عام 1922، والذى تضمن انتهاء الحماية البريطانية على مصر والاعتراف بها باعتبارها دولة مستقلة.
وكان من المنطقى بعد ذلك أن يتم إعداد دستور يقرر مبدأ المسئولية الوزارية أمام البرلمان بمجلسيه، كما يقرر واجبات الأفراد وحقوقهم طبقاً للقوانين والمبادئ الدولية.
وتألفت لجنة فى 13 أبريل عام 1922 سميت «لجنة الثلاثين» نسبة لعدد أعضائها ماعدا الرئيس ونائبه، وذلك لوضع مشروع الدستور، وكذلك قانون الانتخاب. وكان هناك اهتمام بأن تضم اللجنة أعضاء يمثلون كل الاتجاهات الدينية والسياسية فى البلاد. ضمت اللجنة مفتى الديار المصرية وبطريرك الأقباط، بالإضافة إلى مجموعة من كبار الأعيان.
واتخذ حزبا الوفد والحزب الوطنى موقفاً سلبياً من اللجنة التى أطلق عليها سعد زغلول باشا «لجنة الأشقياء» لأن وجهة نظره أن الدستور ينبغى أن تضعه «لجنة تأسسية» منتخبة من الشعب وليس لجنة حكومية. وقد أدت عدم مشاركة حزب الوفد فى عملية صياغة الدستور إلى ظهور جوانب سلبية متعددة، وخصوصاً فيما يتعلق بسلطات الملك فى مواجهة السلطة التنفيذية.
ويمكن القول إن الملك فؤاد – حفاظاً على سلطته المطلقة – لم يكن مرحباً بصدور دستور يقيد من سلطاته. بعبارة أخرى، عملية وضع الدستور كانت تنطوى بذاتها على صراع بين الملك والوزارات المتعاقبة التى توالت على الحكم، واستطاع أن يدخل كثيراً من التعديلات على مشروع الدستور الذى وضعته اللجنة. وأيا ما كان الأمر فقد صدر الدستور أخيراً فى 19 أبريل عام 1923، وكان مختلفاً عن مسودة الدستور الذى وضعته اللجنة.
ولعل أبرز سلبية له هى أنه تجاهل المبدأ النيابى الصحيح، وهو أن الملك يملك ولا يحكم، وذلك لأن السلطات التى أعطاها للملك تجعله يملك ويحكم فى وقت واحد.
ولن تستطيع أن نتعقب بالتفصيل المعارك السياسية الكبرى التى خاضها الملك فؤاد مع الأحزاب السياسية بعد صدور الدستور، والتى كانت تهدف جميعاً فى الواقع إلى توسيع سلطات الملك على حساب كافة المؤسسات الدستورية.
( د) فاروق ونهاية العصر الملكى (1936 – 1952): توفى الملك فؤاد فى الثامن والعشرين من أبريل 1936 فى عهد وزارة على ماهر التى نعته فى بيان شمل المنادة بفاروق ملكاً على مصر، على أن تتولى الوزارة سلطات الملك الدستورية إلى أن تسلم مقاليدها إلى مجلس الوصاية على العرش، لأن فاروق كان لا يزال فى السابعة عشرة من عمره.
وقد اتفقت الأحزاب على أن يتألف مجلس الوصاية من كل من الأمير محمد على، وعبد العزيز عزت باشا، ومحمد شريف صبرى باشا. وصدق البرلمان على ذلك بالإجماع، واستقالت وزارة على ماهر وتشكلت وزارة مصطفى النحاس الوفدية.
وكانت المفاوضات جارية بين مصر وبريطانيا والهدف منها توقيع معاهدة تحدد التزامات الطرفين. وقد تم التوقيع على المعاهدة فى 26 أغسطس 1936، وقد اسماها مصطفى النحاس باشا «معاهدة الشرف والاستقلال». ويمكن القول إن معاهدة 1936 مثلت علامة بالغة الأهمية فى طريق سعى مصر لقيادة طلائعها السياسية للحصول على الاستقلال الكامل.
وقد تميزت حقبة الملك «فاروق» بالصراعات السياسية بين القصر وحزب الوفد، بالإضافة إلى المشكلات الاجتماعية المحتدمة مما أدى إلى قيام ثورة 23 يوليو 1952.
ثانياً ــ تحديث الدولة .. المشروع القومى (1952-1970): فى 23 يوليو 1952 قام الضباط الأحرار بقيادة البكباشى «جمال عبد الناصر» بانقلاب عسكرى أسقط النظام القديم وأجبر الملك «فاروق» على التنحى عن منصبه والسفر منفياً خارج البلاد. والواقع أن هذا الانقلاب الذى سرعان ما تحول إلى ثورة اجتماعية بحكم تأييد الملايين لها كان نتيجة حتمية لتدهور الوضع السياسى والاجتماعى فى مصر فى الفترة من عام 1945 حتى 1952.
ولا نبعد عن الحقيقة كثيراً إذا ما لخصنا المشهد المصرى الذى استمر من عام 1945 حتى عام 1952 بعبارة جامعة، مفادها أن احتدام الصراع السياسى والطبقى فى مصر من ناحية، والمواجهة مع المحتل الإنجليزى من ناحية ثانية، تحول إلى موقف ثورى، بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معان فى علم الثورة. ويستطيع المخضرمون من المراقبين السياسيين والمثقفين ممن عاشوا بوعى الأربعينيات والخمسينيات – والكاتب واحد منهم- أن يدلوا بشهاداتهم التاريخية حول هذه الفترة. وقد سجلت بعض الدراسات التاريخية الرصينة صورة بارزة للصراع السياسى والاقتصادى فى هذه الحقبة.
وبغير الدخول فى تفاصيل متعددة لا يسعها هذا المقال، يمكن تلخيص عناصر ومكونات الموقف الثورى فى عدد من المؤشرات التى لا نعتقد أن أى مؤرخ منصف، أو باحث موضوعى يمكن له أن يختلف حولها:
1- أهم هذه المؤشرات هو احتدام الصراع مع سلطة الاحتلال الانجليزى، بعد أن استنفدت كافة الأحزاب المصرية كل الجهود فى المفاوضات مع الإنجليز، باءت كلها بالفشل، نتيجة للتعنت الإنجليزى من ناحية، والصراع الحزبى العقيم من ناحية ثانية. لم تستطع الأحزاب السياسية المصرية فى هذا الوقت، أن توحد جهودها فى إطار جبهة وطنية متماسكة لمواجهة المحتل الغاصب بإستراتيجية انعقد عليها الإجماع الوطنى. وكان آخر صوت ارتفع- فى إطار هذه المعركة السياسية الممتدة- صوت «مصطفى النحاس» زعيم حزب الوفد، حين أعلن - فى خطبة شهيرة - فى أكتوبر 1951 إلغاء معاهدة 1936 التى سبق له أن وقعها مع الإنجليز، قائلاً: «من أجل مصر وقعت معاهدة 1936، ومن أجل مصر أقوم اليوم بإلغائها» واشتعل الموقف بعد ذلك، بين الشعب المصرى وقوات الاحتلال، وتشكلت جماعات متعددة من الفدائيين لشن حرب تحرير ضد القوات الإنجليزية فى القنال، ووجدتها بعض الأحزاب فرصة للمزايدة السياسية، ووسيلة لإعداد تشكيلات مسلحة تابعة لها، لتكون جاهزة فى مجال الصراع حول السلطة فى الوقت المناسب.
أعلنت حكومة الوفد إلغاء المعاهدة، بغير أن تمتلك خطة واضحة المعالم للمواجهة مع قوات الاحتلال، وأصبح الموقف السياسى مفتوحاً لكافة الاحتمالات، فى ظل مناخ زاخر بالمحاولات الجادة لمواجهة المحتلين شارك فيها الضباط الأحرار أنفسهم، بالإضافة إلى تصاعد التصريحات الغوغائية من قبل بعض الأحزاب السياسية التى علا صوتها، فى الوقت الذى كان فيه الإخوان المسلمون يجهزون جهازهم السرى، لمساعدتهم فى الوثوب إلى السلطة.
2- المؤشر الثانى هو تآكل مصداقية النظام الليبرالى بكل مؤسساته السياسية من ملكية دستورية انخفضت أسهمها نتيجة لفساد الملك، وتدخله فى الحياة السياسية، وأحزاب سياسية أضاعت قوتها واستنفذت طاقاتها فى صراعات حزبية عقيمة وخصوصاً بين حزب الوفد وأحزاب الأقلية وبرلمانات مكونة من مجالس للنواب، ومجالس للشيوخ، يهيمن على مقدارتها كبار الملاك المستغلين الذين رفضوا كل سياسات الإصلاح الاجتماعى بصلف طبقى واضح. ويكفى أن نذكر بهذا الصدد أنه قدمت للبرلمان – بمجلسيه- ثلاثة مشروعات للإصلاح الزراعى، رفضت جميعاً. الأول قدمه «إبراهيم شكرى» والثانى قدمه «محمود خطاب، والثالث قدمه «إبراهيم بيومى مدكور» باسم جماعة النهضة القومية. ومن يرجع للمذكرة الإيضاحية المقترحة للمشروع الأخير، سيجد عبارة تحذيرية واضحة وصريحة، مفادها إن لم يطبق هذا القانون، ستقوم ثورة فى البلاد،- كما قررت المذكرة،- «ونحن نريد تلافى قيام الثورة» ولكنها كانت صيحة فى واد، بعد أن أعمت الأنانية الطبقية عيون أعضاء الطبقة المسيطرة.
3- المؤشر الثالث هو ازدياد الفجوة الطبقية بين الأغنياء والفقراء، مما أحدث خللا عميقاً فى البناء الاجتماعى، وأدى إلى توترات حادة، تصاعدت فى شكل هبَّات شعبية عنيفة فى الريف (وحوادث بهوت شهيرة فى هذا المقام)، بالإضافة إلى الاضرابات العمالية العنيفة، والمظاهرات الطلابية الصاخبة، ووصل السخط على الظلم الاجتماعى الفادح إلى إضراب قوات الشرطة ذاتها، وهو حدث فريد فى التاريخ المصرى.
4- المؤشر الرابع هو تصاعد حدة وتيرة النقد الاجتماعى، والتى ستتراوح بين قطبين الأول إصلاحى، يدعو إلى الإبقاء على النظام بشرط ترميمه وإصلاحه، واستحداث سياسات توزيعية بغرض تذويب الصراع الطبقى، والحفاظ على المصالح الأساسية للطبقة المهيمنة، والقطب الثانى ثورى يدعو إلى التغيير الجذرى الشامل للنظام القائم، وإعادة بنائه على أسس وقيم جديدة. وبين هذين القطبين المتطرفين كانت هناك مواقف وسطية شتى ومتعددة.
وقد شارك فى حملة النقد الاجتماعى اليمين، والوسط، واليسار، والمستقلون، بحيث يمكن القول إن حصاد هذا النقد الاجتماعى، والذى مورس فى الصحف والمجلات والكتب، وفى المجالس النيابية، عكس كل ألوان الطيف السياسى فى مصر. فى هذه الحملة المجيدة، لمعت أسماء من كل التيارات السياسية. برز «سيد قطب» بكتابه العظيم «العدالة الاجتماعية فى الإسلام»، وعلا صوت محمد مندور بمقالاته النقدية، وظهرت أصوات الماركسيين المصريين، وتجلت دعوات الليبراليين الإصلاحيين، ومن أبرز منابرهم «جماعة النهضة القومية»، وأسس «خالد محمد خالد» لأول مرة تياراً أصيلاً يجمع بين الليبرالية المنفتحة والنظرة الدينية المستنيرة، بدأه بكتابه التاريخى الذى أثر فى جيلنا تأثيراً عميقاً وهو «من هنا نبدأ» والذى صودر فى طبعته الأولى، ثم أفرجت عنه النيابة، وطبع بعد ذلك أكثر من خمس طبعات.
5- نتج عن موجة النقد الاجتماعى العميقة، والتى انطلقت من اليمين واليسار ملامح مشروع وطنى، كان أبرزها: الاستقلال الوطنى، وعروبة، مصر، وعدم الانحياز، والعدالة الاجتماعية، والحرية السياسية والدعوة لتأميم قناة السويس وبناء قوات مسلحة قادرة وتحديث الإسلام، وإلغاء الفوارق الطبقية الحادة، والإصلاح الزراعى، وتأميم المصالح الأجنبية.
6- المؤشر السادس ولعله أهم هذه المؤشرات جميعاً، لأنه كان هو الباب الذى اندفعت منه الثورة رافعة أعلامها الخفاقة، أنه ليست هناك قوة سياسية قادرة على أن تؤلف تأليفاً خلاقاً بين عناصر المشروع الوطنى للتغيير الاجتماعى، ولا على أن تقود المجتمع بناء على موجهاته ومبادئه.
كل هذه المؤشرات تثبت – بما لا يدع مجالاً لأى شك - تشكل موقف ثورى فى مصر، احتدمت تفاعلاته على وجه الخصوص بين عامى 1950 و 1952. من هذا الموقف الثورى، وبناء على تداعيات متتالية مسجلة فى الدراسات التاريخية، هبت رياح الثورة، التى قادها الضباط الأحرار، وهم مجموعة من الشبان المصريين الذين تربوا فى أحضان الوطنية المصرية بكل تقاليدها المجيدة، وبتأثير رموزها الساطعة: «عمر مكرم»، و«محمد عبده»، و«أحمد عرابى»، و«عبد الله النديم، و«محمد فريد»، و«مصطفى كامل»، و«سعد زغلول». هذه المجموعة الوطنية الرائدة، التى تطلق عليهم بعض الكتابات فى الوقت الراهن «العسكر» هم الذين قادوا أول تجربة مصرية حديثة فى التغيير الاجتماعى والمخطط.
غير أن هذه التجربة الرائدة، والتى أدت إلى تحديث الدولة المصرية من كافة جوانبها، تعرضت للنهاية التاريخية بعد هزيمة يونيو 1967. ثالثاً ــ تشويه الدولة: بعد رحيل الرئيس «جمال عبد الناصر» عام 1970 تولى الرئاسة الرئيس «محمد أنور السادات» الذى سيدخل التاريخ باعتباره بطل حرب أكتوبر 1973 لأنه أجاد التخطيط الاستراتيجى للحرب وأشرف على القوات المسلحة التى عبرت خط بارليف لتحرير الأرض المصرية المحتلة إلى أن تحقق الانسحاب الإسرائيلى من كامل الأراضى المصرية.
غير أن الرئيس «السادات» (1970-1981) بعد نهاية الحرب وبداية عصر السلام قام بخطوات جذرية لإلغاء الأسس الإيديولوجية لنظام ثورة 23 يوليو، وخصوصاً فيما يتعلق بإلغاء الاتحاد الاشتراكى العربى، والتخلى عن الاشتراكية، وتبنى الرأسمالية بتطبيق سياسة الانفتاح الاقتصادى، والتى فتحت الطريق أمام نمو طبقة رأسمالية عريضة ومؤثرة قامت بالمشروعات لتحقيق أقصى درجات الربح، وأدت فى النهاية إلى تهميش الملايين من المصريين من أعضاء الطبقات الدنيا والمتوسطة.
وحين رحل «السادات» بعد واقعة اغتياله فى 6 اكتوبر 1981 وخلفه الرئيس «مبارك (1982-2011) عمق من السياسات الرأسمالية لمصر، مما أعاد إنتاج المشكلة الاجتماعية التى كانت سائدة قبل ثورة يوليو 1952، وهى الفجوة الطبقية الكبرى بين الأغنياء والفقراء فى مناخ يسوده القهر السياسى، والفساد المعمم مما فتح الطريق لاندلاع ثورة 25 يناير.
وقد رصدنا فى كتابنا «ما قبل الثورة: مصر بين الأزمة والنهضة» (القاهرة: دار نهضة مصر 2011)، والذى يضم مقالاتنا التى نشرناها قبل الثورة فى جريدة «الأهرام المسائى» وهى جريدة قومية.. رصدنا انحرافات النخبة السياسية الحاكمة، وعلى رأسها الرئيس السابق «مبارك» والتى أدت إلى تشويه ملامح الدولة المصرية وتحولها إلى دولة سلطوية استبدادية يشيع فيها القمع السياسى، والفساد المعمم، والظلم الاجتماعى فى ظل مجتمع انقسم إلى منتجعات مترفة، وعشوائيات بائسة. كل ذلك أدى إلى اندلاع ثورة 25 يناير 2011. رابعاً ــ تفكيك الدولة: الشعار الرئيسى لثورة 25 يناير فى محاولتها الجسورة لقلب النظام السلطوى تمهيداً لإرساء قواعد نظام ديموقراطى حقيقى يعبر عن جموع الجماهير المصرية بكافة طبقاتها وفئاتها الاجتماعية، هو «الشعب يريد إسقاط النظام»، وأصبح هذا الشعار من بعد هو الشعار الرئيسى لكافة الانتفاضات الجماهيرية العربية فى ليبيا واليمن وسوريا.
واليوم التالى للثورة لا يقل أهمية، بل قد يفوق أهمية يوم وقوع الثورة، نظراً لأن هناك احتمالات متعددة. فقد تفشل الثورة ويعود النظام القديم بصورة أبشع مما كان فى السابق مسلحاً بالرغبة فى الانتقام، وقد تنجح الثورة فى اقتلاع جذور النظام القديم، ولكن قد يترتب عليها وضع سياسى ينجم عنه قيام ديكتاتورية من نوع جديد، أو انقلاب فى توجهات بعض القوى الثورية فيجعلها تسعى إلى هدم الدولة ذاتها، وقد يحدث انفجار اجتماعى يؤدى فى النهاية إلى تفكيك المجتمع.
اليوم التالى للثورة فى مصر بعد إسقاط النظام حدثت فيه أحداث جسام طوال الفترة التى انقضت منذ تسلم المجلس الأعلى للقوات المسلحة السلطة فى البلاد بصورة مؤقتة. ولا نريد أن نقف أمام تفصيلات ما دار فى المرحلة الانتقالية، ولكن أبرز وقائعها قاطبة تشرذم القوى الثورية وتشكيلها لمئات الائتلافات المتناحرة والمتنافسة على الزعامة والوجاهة الاجتماعية والحضور الإعلامى، وإدعاء أنها وليس غيرها من يستطيع أن يحرك الشارع باسم شرعية الميدان. أما الأحداث الكبرى التى تلت ذلك فهى اندفاع القوى السياسية التقليدية، وفى مقدمتها جماعة «الإخوان المسلمين» للقفز فوق قطار الثورة المندفع، ونجاحها – نتيجة أخطاء سياسية فادحة للائتلافات الثورية والقوى الليبرالية واليسارية - فى الحصول فى انتخابات مجلس الشعب والشورى على الأكثرية وشاركها فى ذلك حزب «النور السلفى». ومعنى ذلك إقصاء التيارات الثورية والليبرالية واليسارية من البرلمان لأنها لم تمثل إلا بعدد قليل للغاية.
ومعنى ذلك أن إسقاط النظام الذى نادت به الثورة أدى فى الواقع إلى تأسيس نظام ديكتاتورى جديد أخطر من النظام السابق، لأنه يتحدث باسم الإسلام، وينطلق من توجهات دينية تسعى فى الواقع إلى إلغاء مدنية الدولة، وتأسيس دولة دينية، وإعادة نظام الخلافة من جديد، بحيث تصبح مصر مجرد إمارة من الإمارات الإسلامية المتعددة التى سيحكمها الخليفة الإسلامى المنتظر، والذى كانت تحلم بعودته جماعة «الإخوان المسلمين» منذ بداية تأسيسها على يد الشيخ «حسن البنا». عام 1928.
سقط النظام نعم، ولكن –كما رأينا- أقيمت على أنقاضه ديكتاتورية سياسية دينية تبلورت فى حكم الإخوان المسلمين، ولكن أخطر من ذلك أنه حدثت محاولات منهجية لهدم كيان الدولة المصرية، سواء بطريقة واعية أو بطريقة لا واعية، تكشف عن عدم إدراك خطورة إسقاط الدولة.
وقد بدأت هذه المحاولات من قبل جماعات ثورية خططت لإسقاط مؤسسة الشرطة بأكملها، بزعم أنها بكل أعضائها مارست قمع الشعب واستخدمت فى ذلك وسائل التعذيب المرفوضة، وبلغت ذروة تعسفها فى محاولاتها التصدى لقمع مظاهرات 25 يناير باستخدام القوة المفرطة، مما ترتب عليه سقوط مئات الشهداء وآلاف المصابين.
وقد أدى الهجوم الكاسح على جهاز الشرطة عموماً وبدون تمييز إلى إحداث فجوة عميقة من عدم الثقة بين الشرطة والشعب، مما أدى إلى حالات واسعة من الانفلات الأمنى، بحيث أصبح غياب الأمن إحدى المشكلات الجسيمة التى تواجه المواطنين بعد ثورة 25 يناير.
غير أن أخطر ما حدث من محاولات لهدم الدولة هو الهجوم غير المسئول على المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وصعود الهتاف الشهير «يسقط يسقط حكم العسكر» هكذا بدون التمييز الدقيق بين الوظيفة السياسية للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، والتى يقوم بها بصورة مؤقتة وبين الجيش ذاته.
وخططت ائتلافات ثورية شتى سبق لها أن افتعلت معارك صدامية مع قوات الشرطة لاختلاق معارك صدامية مع قوات الجيش ذاتها، سواء بالمظاهرات الألفية التى توجهت إلى وزارة الدفاع بالقاهرة، أو إلى المنطقة الشمالية العسكرية بالإسكندرية، وكأن الهدف الثانى من إسقاط الدولة بعد إسقاط الشرطة هو إسقاط القوات المسلحة.
وليس هذا مجرد استنتاج من الوقائع، بل إن «الاشتراكيين الثوريين»، وهو فصيل سياسى محدود العدد جهر بأن أحد أهدافه الكبرى هو إسقاط الدولة وإسقاط الجيش.
فكأننا بعد ثورة 25 يناير حصدنا إقامة ديكتاتورية سياسية دينية يتزعمها الإخوان المسلمون والسلفيون، وتم إسقاط الشرطة، وكانت هناك محاولات لإسقاط الجيش، ولكن أخطر الظواهر هو بروز نمط من الممارسات الغوغائية انخرطت فيها مختلف الفئات والطوائف موجهة إلى السلطة فى كل المواقع، وتهدف لتجريدها من كل هيبة وافقادها أى احترام، والهجوم الشخصى عليها. غير أن موجات السلوك الفوضوى التخريبى برزت مؤخراً فى مظاهرات جماهيرية شتى، وعلى رأسها تلك التى قامت بها جماعات «الألتراس»، وخصوصاً بعد صدور حكم المحكمة فى قضية بورسعيد حيث تجمع الآلاف من أعضائها، وأحرقوا مبنى اتحاد كرة القدم ونادى الشرطة. وقد تحولت روابط المشجعين الرياضيين هذه والمنظمة تنظيماً سرياً دقيقاً وكأنها جماعات «ماسونية» من التشجيع الرياضى إلى العمل السياسى الغوغائى. ويكشف عن ذلك المظاهرة الكبرى التى قام بها «األتراس الأهلى» فى القاهرة مطالبين بالقصاص للشهداء فى بورسعيد، سواء قبل إحالة المتهمين إلى القضاء أو بعد صدور الحكم لعدم رضائهم عنه.
وباختصار يمكن القول إن الفوضى العارمة أصبحت هى السائدة فى البلاد. هل نبالغ لو قلنا أن هذه هى محصلة اليوم التالى للثورة فى مصر؟ ديكتاتورية سياسية جديدة تتشح بثياب دينية متشددة كفيلة بتخلف المجتمع المصرى قروناً عديدة إلى الوراء، ومحاولات لإسقاط الدولة لكى تصبح فريسة للأطماع الداخلية والخارجية على السواء، وأخيراً السلوك الغوغائى غير المسئول الذى أدى فى الواقع إلى نسف التراتبية الاجتماعية، والتمرد غير العقلانى على السلطة، والزحف المنظم لاقتلاع القيم والأعراف التى قامت عليها المؤسسات فى مصر، ومعنى ذلك تفكيك المجتمع.
كيف يمكن لنا أن نخرج من هذا النفق المظلم؟ ليس هناك من سبيل إلا ممارسة النقد الذاتى من ناحية، وتوجيه سهام النقد الاجتماعى المسئول من ناحية أخرى، والذى لا يكتفى بالإشارة إلى الأخطاء وإنما يعطيها التكييف الصحيح. وتبقى الحكمة التقليدية صحيحة، وهى أن الثورة قد تؤدى إلى التحرر، ولكنها قد لا تحقق الحرية! http://www.islamdaily.org/ar/democracy/11580.article.htm
|
مجموعة عبد العزيز قاسم البريدية. للاشتراك أرسل رسالة فارغة إلى: azizkasem2+subscribe@googlegroups.com - أرشيف الرسائل |
7 |
الجيل الأول من شباب الألفية الثالثة:ابتسم، البطالة لا تُخيفنا!حسين جواد قبيسي |
شباب الجيل الأول من الألف الثالث الميلادي هم، بطبيعة الحال، جميع شبان العالم، الذين تراوحت أعمارهم بين عقد واحد وعقدين من السنوات في العام ألفين، بيد أن هذا الجيل الأول من الشباب المتعلم تعليماً غلبت فيه، وعلى نحو طاغٍ، علومُ المعلوماتية، التي دشّنت ما بات يُعرَف بعصر المعرفة الرقمية وفتحت باب اقتصاد المعرفة، يعيش معظمهم في البلدان المتقدمة صناعياً وتكنولوجياً، حيث بات هذا الاقتصاد يشكّل العمود الفقري لاقتصاد تلك البلدان؛ فقد غيَّر اقتصاد المعرفة بنية العمل حيث صارت "الفكرة" (الابتكار، الإبداع، التجديد، إلخ..) هي القاعدة في التوظيف وهي معيار العمل الأساس، وحيث لم يعُد للوقت المعنى الذي كان له في بنية العمل في المجتمعات الحديثة.. ذلك أن الفكرة هنا، هي تلك التي تلتمع فجأة، في لحظة، فتُضيء كالبرق، فيحتاجها العمل أيَّما حاجة، في حين أنها لا تكون هي بحاجة إلى مكتب ولا إلى دوام عمل لكي ترى النور.. إذ لم يعد العمل محصوراً في ساعات دوام بين الساعة كذا والساعة كذا، فهذا الدوام لم يعد مجدياً اقتصادياً، ولم تعد له المردودية الاقتصادية المرجوّة منه، والتي كان يُعوَّل عليها بحسب ما كان معمولاً بها في المصانع والمعامل اليدوية، التي تحتاج إلى جهد عضلي أو حضور عياني لعاملين يمارسونه في كلّ لحظة، لكي تبقى آليات العمل شغالةً وفعالة.. البطالة؟ جيل شباب الألفية الثالثة لا يحفل بها ولا يبالي لها؛ شعاره: "ابتسم، لا شيء يدعو للقلق"! فأزمة البطالة التي تجتاح العالم وتشكو منها البلدان المتقدمة (وغير المتقدمة) لا يبدو أنها تعني جيل الشباب الذي لا يبحث عن عمل كيفما اتفق، ولا يرضى بعمل مهما كلّف الأمر، بل إنه لا يرتضيه إلا بشروط يحدّدها هو، ولا يقبل عملاً بشروط موضوعة سلفاً.. ثمة أمر محيّرٌ فعلاً: من جهة أولى، هناك البطالة والشباب العاطل عن العمل، ومن جهة ثانية هناك لا مبالاة الشباب اليوم في العثور على عمل، إذ الأمر سيّان عنده وجد عملاً أم لم يجد!! هذه الإشكالية/المشكلة تناولتها صحف غربية عدّة، فقد أعدّت مجلة "لوكورّييه أنترناسيونال" (Le Courrier International) الأسبوعية ملفاً موسَّعاً حول هذه القضية، فخصّصت لها عددها، الذي يحمل الرقم 1171، والصادر بتاريخ 11 ـ 17 نيسان/ إبريل 2013، بعدما جمعت مقالات منشورة في صحف ومجلات عالمية شتّى مكتوبة بلغات مختلفة، وتتناول الموضوع من جوانب وزوايا مختلفة. وفي ما يلي توليف لما قرأناه في الصحيفة المذكورة، مترجَماً إلى الفرنسية عن تلك الصحف التي نخصّ بالذكر منها الصحيفة الألمانية "دي زايت" (Die Zeit)، واليابانية "ذا جابان تايمز" (The Japan Times)، والأميركية "شيكاغو تربيون" (Chicago Tribune). تبرز تلك الإشكالية أكثر ما تبرز في اليابان، حيث التقاليد الراسخة في احترام العمل، وفي ألمانيا، المعروفة بحرص الألمان على العمل وحبّهم له. وقد عُرف هذان الشعبان بالحزم والجد في العمل، تشهد على ذلك متانة نتاجهما الصناعي والإلكتروني والثقة، التي يضعها العالم في البضاعة اليابانية والألمانية. مواقف الشباب الياباني الجديدة تجاه العمل تشكّل قطيعةً مع ثقافة العمل اليابانية، التي يتميّز بها آباؤهم وأجدادهم. فقد ذكرت صحيفة "ذا جابان تايمز"، التي تساءلت عمّا إذا كان "جيل الشباب الناشئ في اليابان يضرب عرض الحائط بالوفاء للعمل والإخلاص للمؤسّسات التي يعمل فيها، وهما العلامة الفارقة والصفة البارزة لدى الأجيال اليابانية السابقة؟"، إن الجيل الجديد لا يؤمن بالتضحية ببعض المصالح الشخصية والفردية لما فيه خير المصلحة الوطنية وخدمةً للعزة القومية"، مستشهدةً بتقرير صادر عن وزارة العمل اليابانية يُفيد بأن "ثلث العاملين في القطاع الخاص يتخلّون عن عملهم بعد أقلّ من 3 سنوات فقط على مباشرتهم له". ونشرت الصحيفة المذكورة نتائج تحقيق استقصائي أجرته في شهر حزيران/ يونيو الماضي على عيّنات مختلفة من الشباب الياباني العاطل عن العمل، جاء فيها أن 69% من الشباب أجابوا عن السؤال التالي: "في رأيك، ما هو أهم شيء في العمل؟" بما يلي: "أهم شيء في العمل هو أن يكون ممتعاً"، وأن 40% منهم أجابوا عن السؤال: "ما الذي يدفعك إلى اختيار عملٍ دون غيره؟"، بقولهم: "أن أكون راغباً فيه". خيارات الشباب المتراوحة أعمارهم بين 20 و30 سنة يمكن أن تغيّر قواعد الحياة المهنية. فقد ذكرت صحيفة "دي زايت" الألمانية أن هذا الجيل الأول من الشباب في عصر الألفية الثالثة يُثير حنق المشرفين على العمل، حيث الرقابة والتراتبية والتعليمات من جهة أولى، وسلوك العاملين الشباب من دون انضباط وبحرية تخرج أحياناً عن حدود السلوك المفروض في العمل من جهة ثانية. هذا التناقض عبّرت عنه صحيفة "شيكاغو تريبيون" الأميركية في افتتاحية طريفة كتبها ريكس هوبكه Rex Huppke، الذي طرح الموضوع بكلّ ما فيه من تعقيدات شائكة، من دون أن يجرح مشاعر الشباب، فقد استهلّها بقوله: " لكم عندي خبر سيّئ أيها الشباب الوافدون حديثاً إلى عالم العمل: إننا نكرهكم، فأنتم لستم سوى زمرة من الفاشلين". كلا، يا أعزائي، كلا، لا تصدّقوا، فأنا أمازحكم، وها أنا أقول، وبكلّ صدق، إن شباب الجيل الأول من هذه الألفية الثالثة رائعون، ولا بدّ من الانخراط معهم في حوار مفتوح. فعلاوةً على أنهم يدخلون عالَم العمل باعتداد بالنفس يكاد يلامس الغرور، من دون أن يتوقّعوا مفاجآت غير منتظَرة، يبدو أنهم يعانون من مشكلة التواصل مع مسؤولي العمل وزملاء الأقسام الأخرى، ويتجنّبون اللقاءات التي تطرح مشكلات العمل". يستشهد كاتب الافتتاحية بما تقوله عالمة النفس ليندا غرافيت Linda Gravett ومسؤولة الموارد البشرية في إحدى المؤسّسات الكبرى: "يفضّل الشباب العامل في المؤسّسة، في حال وقوع مشكلة ما، صغيرة كانت أم كبيرة، ألا يكون الحل عبْرَ اللقاء مع المسؤولين وجهاً لوجه، بل عبْر الرسائل المتبادلة بالـ"إيميل" أو عبْر المكالمات الهاتفية. وحينما أسأل أحد هولاء الشباب لماذا لا يتحدثون مع المسؤول في جلسة هادئة حول فنجان قهوة أو كوب عصير، يُجيب: كلا، إن جلسة مثل هذه لا تكون للعمل، بل شخصية جداً، وليست لجدال في العمل". يختتم الكاتب الافتتاحية بالقول: "يجب إذاً أن نتكلّم بصراحة وانفتاح تامَّيْن على اختلاف الأجيال وتنوّع مشاربها وهمومها، فإذا كان شباب جيل الألفية الثالثة هذا شديد الاعتداد بنفسه، أو إذا كان لا يُحسِن مجابهة المشكلات وحلحلة الأزمات، فذلك في حدّ ذاته لا يشكّل سبباً لرفض شاب بمفرده أو رفض مجموعة شباب بأكملها. ذلك أن هذا الأمر برمته لا يتعدّى كونه وضعاً جديداً لا بدّ لنا من التفكير فيه وفي كيفية مواجهته ومعالجته". بيد أن الباحث البرليني كلاوس هورّلمان Klaus Hurrelman له رأي آخر في هذا الموضوع؛ فقد كتب في صحيفة "دي زايت": "لم تأتِ عقلية جيل الألفية الثالثة الأول من فراغ ولم تنبت من عدم؛ فهذا الجيل هو استمرار لجيلين سبقاه، وهو ثالث ثلاثة أجيال وُلِد أوَّلُها مع نهاية الحرب العالمية الثانية العام 1945. ويُسمّيه هورّلمان جيل "إكس" (X) أو جيل الشكّ، لأنه هو الجيل الذي أعاد النظر في كلّ شيء، وأسهم إسهاماً فعّالاً في التغيير الحاصل في ألمانيا. يقول هورّلمان: "مشكلة هؤلاء الشباب ليست في التزام الحدود أو تجاوز الحدود، بل هي في انعدام الحدود أصلاً، فهم يريدون كلّ شيء، وكلّ شيء في آن معاً: يريدون العلاقة العائلية ويريدون معها أوقات الفراغ والاستجمام والتسلية؛ يريدون العمل ويريدون معه علاقات الصداقة والمغزى المعنوي للعمل.. وهم في ذلك غير مستعدين لأيّ تنازل عن أيّ شيء. يريدون من المؤسّسات التي يعملون فيها أن تتغيّر جذرياً، أن تغيّر العقلية التي تسيّرها، وأن تجعل في أولوياتها أماني الشباب ورغائبهم. فهم يريدون أن يتولّوا بأنفسهم تنظيم عملهم وتسييره، بأسلوب يجمع المرونة إلى الظرف واللطف. إنهم يضعون الرؤساء والمسؤولين موضع شكّ واتهام، إلا إذا كان الرئيس أو المسؤول متميّزاً مثيراً لاهتمامهم. شباب هذا الجيل، الذي يُطلَق عليه اسم جيل "واي" (Y) لأنه يكاد يُخضِع كلّ شيء للتساؤل، أولوياتهم هي الزمالة والصداقة والتطوّر الشخصي؛ أما المكانة الاجتماعية والشهرة فهُما في آخر اهتماماتهم. وقد اتضح ذلك من دراسة سوسيولوجية معمَّقة أجراها معهد "ترندنس" (Trendence) في برلين، وفقاً لقائمة من الأولويات تضمّنت 19 مرتبة، احتلَّت فيها الزمالة والصداقة والتطوّر الشخصي المرتبة الأولى، وجاءت الشهرة والمكانة الاجتماعية في المرتبة 19. |
مجموعة عبد العزيز قاسم البريدية. للاشتراك أرسل رسالة فارغة إلى: azizkasem2+subscribe@googlegroups.com - أرشيف الرسائل |
--
لقد تلقيت هذه الرسالة لأنك مشترك في مجموعة عبد العزيز قاسم البريدية.
يمكن مراسلة د. عبد العزيز قاسم على البريد الإلكتروني
azizkasem1400@gmail.com
(الردود على رسائل المجموعة قد لا تصل)
للاشتراك في هذه المجموعة، أرسل رسالة إلكترونية إلى العنوان التالي ثم قم بالرد على رسالة التأكيد
azizkasem2+subscribe@googlegroups.com
لإلغاء الاشتراك أرسل رسالة إلكترونية إلى العنوان التالي ثم قم بالرد على رسالة التأكيد
azizkasem2+unsubscribe@googlegroups.com
لزيارة أرشيف هذه المجموعة إذهب إلى
https://groups.google.com/group/azizkasem2/topics?hl=ar
لزيارة أرشيف المجموعة الأولى إذهب إلى
http://groups.google.com/group/azizkasem/topics?hl=ar
---
لقد تلقيت هذه الرسالة لأنك مشترك في المجموعة "مجموعة عبد العزيز قاسم البريدية (2)" من مجموعات Google.
لإلغاء اشتراكك في هذه المجموعة وإيقاف تلقي رسائل إلكترونية منها، أرسِل رسالة إلكترونية إلى azizkasem2+unsubscribe@googlegroups.com.
للمزيد من الخيارات، انتقل إلى https://groups.google.com/groups/opt_out.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق