الدكتور محمد سعودالمسعود صاحب قلم سيَّال وأسلوبٌ بديع يتناول فيما يكتب قضايا عديدة في الشأن العام ،والاجتماع ،والسياسة ،وقضايا الشيعة ، وهمومهم في منطقته ، ويتمحور عديد من مقالاته حول قضية المواطنة وأهمية الاعتناء بها ، وينعى على من يسعى لتوهين رابطتها، أو العدوان عليها ، وهذا أمرٌ حسن ومسلَّمٌ به من كل الفرقاء العقلاء الذين يعيشون في وطنٍ واحد ، لا سيما إذا صدر من قبل الدكتور الفاضل ، وهو من أبناء طائفة من طوائف هذا الوطن تتهم في نظر كثيرين من غيرهم بعدم ولا ئهم وإخلاصهم له ؛ لأن قلوبهم معلقة خارج موطنهم الذي يعيشون فيه حسب أدلة ظاهرة كثيرة يسوقونها لتأييد قولهم.
أقول : جميل جدا هذا التوجه الذي يشي بعقلانية واتزان ، وترفع عن التصرفات التي تنافي ذلك ، وكأني بالدكتور محمد يريد أن يوقظ أبناء طائفته من سبات عميق وبدع وخزعبلات حجبت نور الحقيقة وعطلت كثيراً من العقول .
والدكتور ليس هو الساعي الأول في هذا التوجه -وإن كان له جهده المشكور الذي لا ينكر- فقد سبقه عدد من مثقفي الشيعة وعلمائهم العرب والاعاجم ، ومن أشهرهم الشيخ محمد حسين فضل الله ، والشيخ محمد مهدي شمس الدين ، والشيخ علي الأمين ، وكذلك عدد من علماء الشيعة في الإحساء والقطيف من المعاصرين للدكتور ، ومنهم الشيخ عباس الموسى صاحب النقدات، والتتبعات القوية على محاضرة السيد منير الخباز بعنوان (المنهج الإمامي في حفظ التراث) والتي سعى فيها المحاضر إلى الإشادة بالعديد من كتب الحديث والفقه الإمامي ، واكد أنها محققة مدققة وقد تعقبه ا لشيخ عباس الموسى ' بأن كثيراً من هذه الكتب تحوي أحاديث مكذوبة موضوعة نبَّه عليها علماء الشيعة وأئمتهم ، وأكدوا بطلانها ، ومن هذه الكتب وأشهرها كتاب الكافي للكليني الذي يحوي كثيراً من الأحاديث الموضوعة والمكذوبة ، ومع تنبيه العلماء على ذلك إلاانها لم تخرج ولم ينقَّ الكتاب منها ، وضرب لذلك مثالا بالأحاديث التي تثبت تحريف القرآن ،وهي مع كذبها وبطلانها لاتزال موجودة في الكافي للكليني ولا يزال الكتاب يطبع ويتداول وينقل عنه ويرجع إليه ، وقد ألزم المحاضر إلزاماً عقلياً قوياً حيث قال : إن لم تكن هذه الروايات محرفة ومو،ضوعة وهي صحيحة فهو اعتراف بتحريف ؛القرآن لأنها روايات كثيرة ، وعلى مبناه تشكل اطمئناناً بصدورها .
وإن قال بأنها روايات موضوعة فهذا ينقض كلامه بأنه لا توجد في هذا الكتاب روايات موضوعة .
ومن هؤلاء أيضاً الأستاذ/حسن المصطفى في مقالة المنشور بعنوان (حتى لا يقتل الحسن مرتين) .
والذي نعى فيه على التشدد الذي يمثله الفكر الشيعي المعاصر القائم على الغلو في الاعتقادات المخالفة في مقامات آل بيت النبي صلى الله عليه وآله وصحبه 'وإسباغ صفات فوق صفات البشر عليهم ، وذكر أن هذا يقترب مما كان يعرف تاريخياً بتيَّار (المفوضة) الذي تعرض لنقد شديد من علماء الشيعة الأوائل؛ لأنه يقوم على نظرة غيبية غريبة لذوات الأئمة الأثني عشر مضفياً عليهم صفات تخالف الشرع ' بل ان الأئمة انفسهم في المنقول عنهم لم يقبلوا بها الأئمة أنفسهم نهوا أصحابهم عن القول بها ، ثم يبين ما يراه الحق فيهم بنقله عن أحد رجال الدين الإيرانيين وهو - محسن كديور- قوله عن الأئمة : (علماء أبرار ، ومجاهدون أتقياء )، ويرى الكاتب أن سبب هذا الغلو ، وانتشار الخرافات والخزعبلات المخالفة للدين 'ولصريح العقل هو : سيطرة آراء مرتضى الشيرازي العقدية على الساحة الشيعية المعاصرة ، وهي تظهرتحالفاً بين ثلاثة تيارات تجتمع في رؤيتها العقدية المغالية ،وإن اختلفت في مشاربها .
هذه التيارات هي : الشيرازية الكلاسيكية ، والسلفية الشيعية ، والشيخية ، وأهم معالم رؤيتها العقدية تتمثل فيما يلي : · المغالاة في آل البيت ، وإسباغ صفات فوق البشرية عليهم تخالف القرآن ، وسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم . · الإغراق في الماضي والتركيز على مواضع الخلاف مع المدرسة السلفية السنية . · المبالغة في إحياء الشعائر والطقوس المتعلقة بوفيات آل البيت وتحديداً مناسبة عاشوراء التي أحيطت بهالة كبيرة من الأمور الغيبية التي تجعل الإنسان يشعر بأنها فوق العقل فضلاً عن مخالفتها لحوادث التاريخ ، ومجافاتها للعقل والدين بما يحدث فيها من أفعال كالضرب بالسلاسل ، والتطبير ، والمشي على الجمر وغير ذلك . ويصل الكاتب إلى أن الخطاب الديني الشيعي أصبح خطاباً سطحياً تخديرياً يعلي من شأن الطقوس الجوفاء ويعطل العقل ' ويربط بذلك ما حدث ويحدث في العراق بعد سقوط النظام السابق وما نتج عنه من تعميم معطيات هذا المشهد على التجمعات الشيعية في الجوارالعربي وغيره ؛لأن هذا التيار أصبح - من خلال غالب القنوات الفضائية الشيعية - هو مصدر التلقي بالنسبة لعموم الشيعة ، وقد قسم الحديث فيها أناس متعصبون أمثال مجتبى الشيرازي وياسر الحبيب وغيرهما ممن لا همَّ لهم إلا السب والشتم لصحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وزوجاته بل وصل الأمرالي العديد من علماء الشيعة وأئمتهم المعاصرين ممن يختلفون معهم مثل محمد باقر الصدر ، ومحمد حسين فضل الله ، ومرشد الثورة (علي خامنئي) الذي يسمونه (يزيد خامنئي) لأنه أفتى بعدم شتم الصحابة وعدم التعرض لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها .
ويأتي أيضاً في هذا السياق ما نادى وينادي به العديد من العقلاء ،والمثقفين من إخواننا الشيعة في شرق وطننا الغالي من المطالبة بإصلاحات دينية واجتماعية داخل مجتمعهم الصغير ومن ذلك البيان الذي صدر قبل عدة سنوات عن الأخماس التي تجبى منهم وتنقل إلى خارج الوطن إلى العراق واليغيره ،مع شدة الحاجة إلى صرفها على أبناء الطائفة المعوزين في الداخل ، وأمثال هذه الاعتراضات والانتقادات كثير ....
ونعود إلى الدكتور محمد المسعود ، ونقف عند عدد من مقالاته وعلى الأ خص المقال الذي عنوانه (التعارض بين المواطنة وولاية الفقيه) والمقال المعنون بـ(الإمام الحسين والجنون والحلال والحرام(.
وفي المقال الأول ينقد ولاية الفقيه ويذكر أنها قضية شاذة ضعيفة لم يقل بها غالب علماء الشيعة السابقين واللاحقين ، ويدلل على رفضها في واقع الشيعة في المملكة ،بأنها تتعارض مع قضية المواطنة ؛ لأنه في حال الأخذ بها لا بد من العمل بما تقتضيه من الاستجابة لتكاليف الإمام المتبوع فيها ، وهذا يؤدي إلى التصادم والتعاند حتماً بينها وبين مقتضيات المواطنة حال اختلاف مقتضى كل منهما .
أما المقال الثاني : فهو يؤيد ويؤكد ما جاء في مقال الأستاذ مصطفى الحسن من الرفض لما يجري لدى المجتمعات الشيعية المعاصرة من أمور كثيرة تخالف الشرع والعقل ولا تؤدي إلا إلى مزيد من الارتكاس ، والتخلف ، والبعد عن جوهر التدين الحق .
وقد ذكر الدكتور صعوبة الإنكار والتغيير في هذه الأمور ؛ لغلبة الغوغائية وغياب العقل وطغيان الأهواء التي جعلت من الباطل حقاً ومن الحق باطلاً ، يقول الكاتب : (بات الخروج على الحلال والحرام قربى..طالما هو من أجل الحسين ، وباتت كربلاء أفضل من الكعبة المشرفة ، وباتت كثير من الروايات المرسلة والضعيفة السند والمتعارضة مع الكتاب ومع أصول مذهب آل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثوابت مسلمة ، ومن يخرج عنها مرتد مارق يجب أن يمارس عليه كل صور الشتيمة والهجاء ، والنبذ وامتهان الكرامة الشخصية ، والتهوين.
و يتابع الدكتور فيقول :وهذا بلاء فكري عظيم... ومن الواضح أن الشفاء منه عسير وصعب ، وبالغ التعقيد ، وإن رجفة الخوف من العامة قاطعة السبيل عن التصريح بمعارضته ، والوقوف على صور الغلو فيه...
وتعقيباً على المقال الأول فان ما ذكر فيه من تعارض مقتضيات ولاية الفقيه مع مقتضيات المواطنة صحيح بل ثبت فعلاً فيما حدث من المظاهرات التي كانت تجوب بعض مناطق القطيف وغيرها قبل وبعد أحداث البحرين ، والهتافات التي كانت تطلق 'والشعارات التي كانت ترفع مما لا يمكن القول معه ببقاء مقتضيات المواطنة ، وهي تمجِّد وتأتمر بمقتضيات ولاية الفقيه .
علي أن توهين الكاتب لولاية الفقيه - في نظري- يتجاوز قضية المواطنة ؛ لأنه يتعلق بانتماءات وولاآت لمراجع شيعية تعارضها .
ومن أعجب ماذكره الدكتور في مقاله أن علماء الشيعة وفقهاءهم يؤكدون على البعد عن السياسة ؛لأن ذلك هو الضمانة لبقاء التشيع ، ويؤيد ذلك بأن المرجعيات الشيعية في العراق لم تتحرك للدخول في السياسة والحصول على الحكم رغم تمكين الظروف' ومساعدة المقادير على ذلك -كما قال- .
والواقع المشاهد الذي يعرفه البعيد والقريب يشهد بعكس ذلك فان الشيعة ومراجعهم في ايران وفي العراق هم من سعوا لاستلام السلطة وبذلوا في سبيل ذلك الجائز ،والممنوع حتي حصلوا عليها ، وهل الصدر والحكيم وغيرهم ، ومن ورائهم السيستاني إلا قادة هذا التوجه ؟ّ 'وإيران بقيادة الخميني سابقاً ، وبزعامة خامنئي حالياً ، والدولة الصفوية قبل ذلك ' وغيره كثير . وبهذا يمكن القول : إن من يقول بولاية الفقيه،ومن لا يقول بها كلهم سعوا للسياسة وخاضوا غمارها وبذلوا ما استطاعوا في سبيلها !!! وليت الدكتور العزيز ومن ينهج منهجه الاصلاحي يجهرون برفض هذه المخالفة التي تناقض مقررات المذهب ،ويطالبون من وقعوا فيها بالخروج منها التزاما بالمذهب الذي يدينون به!!
أما المقال الثاني ، وهو لبّ اللباب فهو يدق ناقوس الخطر بالتنبيه على هذه الممارسات المخالفة للدين وللعقل والتي لا تجد لها من يغيرها أو ينكر على أصحابها مما يخشى معه تماديها وتأصلها في الفكر والممارسة فتعمى عن إدراك الحقيقة ، وتنشأ الأجيال على هذا الضلال المقيت ، وهذا هو عينه ما فصل فيه الأستاذ مصطفى الحسن وحذَّر منه في مقاله الذي سبق التنويه عنه .
على انه مما يلفت النظر في كتابات الدكتور في عدد من مقالاته تأثرها بنظرية المظلومية الشيعية ، والتي كان أساسها عندهم مظلومية الحسين وآل بيته ، ثم انتقلت إلى هذه الطائفة فأصبحت مطالبهم ومحاوراتهم تتلفّع بذلك ، ربما من باب التأثير على غيرهم ، أو من باب استدرار العطف على قضاياهم!!
إن هذا لا يعني توجيه اللوم والعتب على الدكتور المسعود وعلى غيره ممن يطالبون
بحقوقهم فهم مواطنون ولهم في هذا الوطن مثل ما لشركائهم من إخوانهم السنة في حقوق هذه المواطنة، ولكن لا بد من الأخذ في الاعتبار أن الجميع لهم مطالب ، ولم حقوق لم يحصلوا عليها أو حصلوا على بعضها ولم يحصلوا على البعض الآخر ، فهناك فقر وهناك بطالة ، وهناك حاجة ماسة للمساكن في كل المناطق ، وحاجة للطرق والبنى التحتية حتى في المدن الكبيرة ، فحتى لا يظن من لا علم له أن هذه الفئة بعينها هي المظلومة المنتقصة حقوقها، ولذا فانه ينبغي أن تنأى هذه المطالبات عن رفع راية هذه المظلومية .
أما هذا الحراك الفكري والنقد المتزايد من عدد من علماء اخوتنا الشيعة، ومن عقلائهماللمارسات الخاطئة والأفكار الفاسدة فإنه يجب أن يتقوى وأن يمتد إلى كافة القضايا التي تحتاج إلى تصحيح ، وأن تبنى الأمور على ما يدل عليه كتاب الله وسنة رسوله ، وما يقضي به العقل الصحيح ، وبعد هذا نأتي إلى ما أردناه من عنوان المقال ، وهو : ما لم يفصح عنه د/المسعود فيما كتب، وهو يتمثل في أمورٍ عديدة :
أولها : أنَّ محبة آل بيت النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم عقيدة ثابتة عند أهل السنة لا تجد من يشك فيها أو يخالفها ، وهذه كتبهم ومقالاتهم شاهدة بذلك ، فالترضي عن سيدي شباب أهل الجنة وريحانتي رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ' والتقرب إلى الله بحبهم واتباع هديهم ، والحزن والأسى لما أصابهم وعلى الأخص الحادث الجلل والخطب الفادح الذي نزل بالإسلام وأهله بمقتل الشهيد الأمام المكرم سبط رسول الله وابن فاطمة الزهراء وابن امير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وارضاه، وبغض من فعل ذلك أو أعان علي هذه الجريمة النكراء ' والفعلة الشنعاء.
من هو من المسلم الحق الذي لا يتغير قلبه ولا تضطرب جوانحه ، وتتزلزل أركانه وهو يرى أو يعلم عما جرى لهذا الطاهر المطهر ومن معه من اهل بيته، ثم هؤلاء ذريته المباركة من بعده الإمام زين العابدين السجاد علي بن الحسين ، وابناه زيد ومحمد الباقر ، وحفيده أبوعبدالله جعفر الصادق الأئمة العظام أصحاب العلم والفقه والعبادة والورع والسخاء أخذ عنهم علماء أهل السنة فقههم ومروياتهم ، ومن هؤلاء الإمامان أبوحنيفة ومالك وسفيان بن عيينة وسفيان الثوري ووكيع وسعيد بن المسيب وغيرهم كثر ، ومروياتهم في دواوين السنة ماثلة شاهدة بذلك ، ولمن لا يعلم فإن أعظم حديث في المناسك ما رواه الصحابي جابر بن عبدالله رضي الله عنه وقد تلقاه أهل السنة عن جعفر الصادق عن محمد الباقر عن السجاد زين العابدين عن جابر رضي الله تعالى عنهم حشرنا الله معهم وجمعنا الله بهم في أعلى درجات الجنة . وفضائل أهل بيت النبوة وحقوقهم مذكورة منشورة مشهورة في كتب أهل السنة .
وإذا كان التشيع لآل البيت هو محبتهم وتوقيرهم وتنفيذ وصية رسول الله فيهم فأهل السنة هم شيعة آل البيت على الحقيقة ، لأنهم يحبونهم المحبة الشرعية التي دلت عليها النصوص الشرعية الثابتة، وهيالبعيدة كل البعد عن البدع والخرعبلات والمظاهر الجوفاء المنافية التي يشنع عليها الدكتور الفاضل وكثير من ا علماء الشيعة وعقلائهم ، بل إن هذه هي ما ثبت عن أئمة آل البيت فيما كانوا يوصون به أتباعهم ، فلا بد من إظهار هذا الأمر وتعريف أبناء الطائفة الشيعية به فليسوا هم بأولى بهم من غيرهم .
ثانيها : ان ما حصل للحسين رضي الله عنه وأرضاه ولأهل بيته عليهم السلام الذين كانوا معه من الجرم الشنيع ممن أضله الله وباء بشؤم فعلته التي سيلقى جزاءه عليها عدلاً عند الله بما صنع ﴿ولا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدَاً﴾ أمرٌ ثابت مقررعند أهل السنة قاطبة ، ولكن ما ذنب الأمة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم ممن لم تتلطخ أيديهم بتلك الدماء الزكية الطاهرة ، ولم يعينوا على إراقتها ، ما ذنب هذه الأمة ان تؤخذ جيلاً بعد جيل وتجلد بفعلة الظالمين المجرمين والله يقول : ﴿ولا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾[فاطر : 18] ، وماذا يستفيد سيدنا ريحانة رسول الله من التطبير والضرب بالسلاسل وغيرها من الأفعال المنكرة ، هل أمر بذلك؟ أو أمر به أحد من أبنائه؟ وهل يرضون لو رأوا ذلك؟ حاشاهم أن يقبلوا .
ثالثاً : أن القبول بالروايات الساقطة التي تثبت تحريف القرآن أو الزيادة أو النقصان فيه طعن في مهمة التبليغ التي اؤتمن عليها رسولنا صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم والتي أمر الله بها ﴿يَاأَيُّها الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَم تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ..﴾[المائدة : 67] .
كيف وقد روى السجاد ومن بعده حديث المناسك وفيه استشهاد النبي عليه السلام بالأمة على التبليغ ، ألا هل بلَّغت ، ألا هل بلَّغت ، ألا هل بلَّغت اللهم فاشهد .
وكذلك الطعن في الصحابة ولعنهم وتكفيرهم وهم جند ؤسول الله صلى الله عليه وسلم ووزراؤه ونصراؤه ومن قام الدين بجهودهم وجهادهم بعد الله .
وإذا قبلنا بالطعن فيهم فمن أين نأخذ ديننا ، إن آل بيت النبوة عليهم سلام الله ورضوانه وبركاته لم يرووا كل أحاديث الرسول ولم ينقلوا كل أحواله ، والحسن والحسين رضي الله عنهما كانا من أصغر لصحابة سناً وكثير مما رووه ونقلوه هو عن الصحابة الذين زكاهم الله في كتابه ورضي عنه جميعاً ﴿وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ﴾[التوبة : 100] . فهم حواريوه ونقلة شرعه و نقلة القرآن الذي جاء به إلى الأمة ، وأفظع من ذلك وأشنع أن يطعن على زوجاته أمهات المؤمنين بشهادة القرآن ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ﴾[الأحزاب : 6] وعلى الأخص أحب نسائه إليه الصديقة بنت الصديق أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنها وعن أبيها ، ورميها بالزنا الذي برأها الله منه ، أفيكذب الله الذي برأها ويقبل فيها قول المتهوكين الضالين الظالمين .
ثم ماذا يكون حال الرسول صلى الله عليه وسلم الذي نزل عليه القرآن فبلغه لأمته والذي قال الله فيه ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ..﴾[الأحزاب : 21] ، كيف يكون حاله في تبليغ ما انزله الله عليه وفي اقتداء الأمة به وقد انزل الله عليه ﴿الزَّانِي لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ..﴾[النور : 3] ، كيف يقبل قوله وكيف يقتدى به وهو مخالف بفعله شرع الله ؟!! ، فاذا قبلنا الطعن في ام المؤمنين فالرسول حاشاه من ذلك مخالف للقرآن في إمساك الزانية وجعلها حليلة له ، وفي هذا تكذيب لله ولقرآنه!!
إن اتخاذ ذلك ديناً والمطالبة به والإصرار عليه من أعظم الوسائل التي تبعد عن الله وعن دينه وتجلب سخطه وأليم عقابه ، ومن عجب أن يصبح لعن الشيخين والبراءة منهما والشهادة بأن عائشة في النار هو ما يلقن به من أراد دخول الإسلام في عدد من الأماكن!!
ثالثها : استحلال دماء المخالفين ورميهم بالكفر وقتلهم على الهوية ، كما يحدث في العراق ، والفتك بهم قتلاً وانتهاكاً للحرمات كما يحدث في سوريا إعانة للظالمين وحرباً على المسلمين ،ودعوى أن القاعدة هي من تفعل ذلك أمرٌ يستوجب التبصر وتسمية الأشياء بأسمائها ووضع الأمور في نصابها فمع استنكارنا لقتل الأبرياء حتى من غير المسلمين ومع عدم قبولنا لهذه الأعمال الوحشية التي تنسب إلى القاعدة إلا أن الإنصاف والخشية من الله توجب أن لا تنسب كل ذلك إلى القاعدة ، بل الطائفية البغيضة التي تسنمت الدولة وأمسكت بزمام الأمور فعلت ما لا يمكن تصوره ولا يقبله عاقل فضلاً عن مسلم حتى مع بعض إخوانهم في العقيدة وحتى في الأماكن المقدسة لديهم كما حدث في كربلاء وغيرها ، وما بالنا نعلق هذه الأفعال المشينة على شماعة القاعدة وننسى أو نتناسى أن إيران ترعى عدداً من فصائل القاعدة وقياداتها داخل أراضيها وخارجها مما لا يسوغ إنكاره .
وإن من أهم ما لم يفصح عنه الدكتور الفاضل المسعود أن يقوم أهل العلم وأهل العقل الحريصون على دينهم وعلى ما ينجيهم عند ربهم بالتنديد علانية بكل ما لا يلتئم مع دين الله من الآراء والروايات والسلوكيات وأن لا يأخذهم في ذلك غضب الأتباع ، وعدم نفور الناس منهم فإنهم سيموتون ' وسيلقون الله فرادى لا ينفعهم هؤلاء الأتباع بل إن مسؤولية ضلالهم ستقع على المتبوعين كما جاء في كتاب النبي عليه السلام لهرقل عظيم الروم الذي دعاه فيه إلى الإسلام حيث قال له : (أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين فان توليت فإن عليك إثم الأريسيين).
وقد صرح الأستاذ مصطفى الحسن في نهاية مقاله السابق بهذا المطلب حيثض ذكر أن من أهم الأسباب التي أعانت على ظهور هذه المنكرات وتفشيها صمت وانكفاء كثير من الفقهاء والقيادات الشيعية عن الإنكار والبيان ، ونقد هذه المخالفات الماحقة ، بل ذكر أن بعض العلماء عدل عن ذلك وأصبح يطالب بكون النقد داخليا غير معلن!!
وان من أعظم ما يجب العناية به الكف عن الصحابة وأمهات المؤمنين والترضي عنهم والعمل على هدم قبر أبي لؤلؤة المجوسي لعنه الله وتحذير الناس من موالاته فإنه أولاً ليس من المسلمين وهو ما يؤكده عدد من علماء الشيعة الكبار وانه قتل في المدينة بعد ان اقدم على فعلته النكراء بقتل أمير المؤمنين صاحب رسول الله وأحد العشرة الذين بشرهم الله بالجنة ، فواخجلتاه من هذا الفعل الحقير القميء أن يمجَّد المجوسي إجلالاً وإكراماً له على ما فعل مما يغضب الله ورسوله وما سيحاسبه الله عليه يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون، ،تشفيا وانتقاما واعتمادا علي روايات واهية مكذوبة انه فر الي العراق ومات هنالك فأقيم له هذا المشهد.
أرجو أن يتأمَّل الدكتور المسعود بعين البصيرة فيما ذكرته وهو لا تنقصه الآلة التي يبحث ويمحِّص بها ، وكتاباته ومقالاته تظهر رغبته في الإصلاح والعودة إلى الحق ، كما أرجو أن يتحلى هو وأمثاله بمزيد من الشجاعة في قول الحق وتعرية الأمور المخالفة المنافية .
ولا بد من الصبر وعدم الالتفات إلى المثبطين او الي المصالح الخاصة ؛فإن من دعى إلى الهدى كان له أجره وأجر من عمل بما دعى إليه إلى يوم القيامة لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً ، كما ثبت في الحديث الصحيح عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم . حمزة الشريف
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق